29‏/5‏/2013

خيانة الأمة وعدم النزاهة في العمل


خيانة الأمة وعدم النزاهة في العمل

 

قال تعالى: (( ... وان الله لا يهدي كيد الخائنين )) ([1]).

من كلام نبينا e : (لا إيمان لمن لا أمانة له...)([2]).

ومن كلامه e : (إن الله يحب من العاملَ إذا ما عمل أن يُحسِن)([3]).

كتب السفير الأمريكي –في الهند- جون كينيث ما يأتي: (سألتُ [اميلي ويلسون] –مديرة شؤون منزلي- أن تحجِبَ عني جميع المكالمات الهاتفية خلال قيلولةٍ قصيرة، وبعد قليلٍ رنَّ الهاتف على الخط يقول: (لندون جونسون يتكلم من البيت الأبيض) قال لها نادي كينيث!([4]) فأجابت: أنه نائم يا سيدي الرئيس، وقد طلب مني عدم إزعاجه، فقال لندون جونسون: قلتُ لك أيقظيه فإني أريد أن أكلمِّهُ، فقالت: المعذرة يا سيدي الرئيس! إنني أعمل عنده لا عندك، قال السفير كينيث: وعندما استيقظتُ، وخبَّرْتُ الرئيس لم يتمالك مشاعرَه بل مضى يقول: أخبر تلك المرأة أني أريدها هنا في البيت الأبيض)([5]).

أقول: قال أحد الدعاة: (إن الذين يُفرطون بشرف بلادهم وحقوق أمتهم –ويخونون أماناتهم في العمل- تكون بناتُ الهوى أحسنَ حالاً منهم لأن فيهن من يُلجئهن الجوع لبيع شرفهن، وأولئك يلجئهم التهالك على الجاه، والمال الزائل)([6]).

أينما ألتفت في هذا البلد أجد جذور خيانة في الأعمال والأقوال، قاتلكم الله! أما تمشون بين القبور!!!.

كان نوري سعيد في بيروت متوجهاً إلى بغداد حاملاً سلة فيها (نوم حامض) وعند نزوله مطار المثنى اعترض موظف الجمارك على سلة النوم، فتقدم إليه شرطي وقال له: هذه تعود للباشا فأجاب موظف الكمرك: لا بد من حرقها حسب تعليمات مديرية الزراعة لوجود المَنِّ الدقيقي في أشجارها فتدخل الباشا بنفسه وأخبر الموظف أن سوف ينقل السلة بما فيها إلى بيته ويحرق جميع مخلفاتها من بذور وقشور والسلة كذلك، فلم يقبل موظف الكمارك وأمر بحرق السلة بما فيها).

حكى لي أحد الأساتذة: قال في عام 1966- 1967م رأيتُ الدكتور محمود الجليلي (رحمه الله) يقف أمام قسم علوم الحياة يقيس جداراً، وبعد يومين هُدِمَ هذا الجدار وتبين أنه رَفضَ التوقيع على استلامه لأنه أقصر من المطلوب ب 2 سنتمتر).

أيلي كوهين([7]) رجل المخابرات الإسرائيلي قال: (دخلت سوريا ومعي أجهزة اللاسلكي وحاولت أن أتجاوز الكمرك بعدما هبطت الطائرة في مطار دمشق، فاستوقفني رجال الكمرك وأرادوا أن يفتشوا ما معي فأعطيتهم المال الكثير، فتجاوزوني، ثم يقول: وذهبتُ إلى إيطاليا بعد ذلك واشتريتُ بعض لعب الأطفال، ولما حاولتُ الدخول إلى بلدي إسرائيل –وأنا أعمل لحسابهم- لم يوافقوا على إعفائي من دفع الغرامة الكمركية على لعب الأطفال، قلتُ: (والكلام له): (يا عجباً! دولة أدخل فيها لأخربَها فتعفوا عني، ودولة أدخل لأخدمها فتأخذ مني المال على لعب الأطفال!!) هذا هو الفرق بينهم وبين بني جلدتنا الذين يخونون أمتنا مقابل عرضٍ زائل يُتركُ عند الموت.

قال الدكتور هاشم يماني –وزير التجارة والصناعة في إحدى الدول العربية- وقد سُئِل عن بداية حياته العملية: (كان كلُّ همي أن أكون أميناً في عملي متقناً له حتى لو اضطررتُ أن أعمل كناساً في الشارع سأكون أفضل كناس في المملكة)([8]).

حكى علي فكري: (أنَّ أحد الجهال عَيّرَ أحد العلماء والأدباء بأخيه قائلاً له: ألم تعلم أن أخاك كان خادماً عند أبي؟ قال: نعم، ولكنه حفظ ماله وشرفه وسمعته، أما أنتَ فلم تحفظ ثروته ولا كرماته فأيُّكما أفضل فأخجله وأسكته)([9]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ... من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ))([10]).

 

الخطبة الثانية

عندما أصبح سعيد قزاز (رحمه الله) وزيراً للداخلية أرسل إليه حسن توحلة هدية مقدارها ثمانون ديناراً –على ما ذكر لي أحد الأخوة([11])- فردها بطيب خاطر، وكان من كلامه: من أينَ أرُدُّ لكم مثلها وأنا لا أملك إلا الراتب، وكان يتقن اللغة العربية، والكردية والتركية والانكليزية وكان بعد الثورة المشؤومة عام 1958 قد اشترى سيارة بالأقساط فقال له مدير شرطة النقليات يا أستاذ! عندنا أرقام صغيرة للمسؤولين، قال: أين وصلت الأرقام؟ قال: وصلت 50 ألفاً، قال: سجل رقم السيارة بأول رقم بعد هذا، وكان من كلامه في المحكمة: (أنني افتخر بكل الأمور التي قمتُ بها لأنها كانت تخدم ديني ووطني).

حكى لي أحد الأخوة([12]) قال: (شاركتُ بدورة تدريبية في الباكستان، وعند إجراء الامتحان النهائي للدورة خرج الضباط المشرفون علينا، وتركونا لوحدنا داخل قاعة الامتحان، وكنا آنذاك واحداً وعشرين ضابطاً، وأنا الوحيد من العراق، فقلتُ للضابط الذي يمتحن بقربي أين المراقبين؟ مضى أكثر من ساعة ولم يعودوا للقاعة، قالي لي: نحن نمتحن بلا مراقبين، قلتُ: إذن من الذي يراقبكم؟ قال: الله هو الذي يراقبنا، فخجلتُ من نفسي وقلت –في حينها- نحن العرب المسلمون لا نمتحن إلا بمراقبين، والغش قائم من جميع الأطراف).

قال تعالى: (( سنفرغ لكم ايه الثقلان )) ([13]).

(هب الدنيا في يديك ومثلها ضمَّ إليك فإذا جاءك الموتُ فما في يديك)([14]).



[1] [يوسف: ٥٢].
[2] [2004/ جـ3/ صحيح الترغيب].
[3] [1891/ جـ1/ صحيح الجامع].
[4] [أي: أطلبيه].
[5] [المختار من الريدرز دايجست/ 1403 ربيع الثاني – 1983م/ ص71].
[6] [1142/ مصطفى السباعي/ هكذا علمتني الحياة]
[7] [سمى نفسه أمين، ودخل سوريا على أنه عربي متحمس للعروبة والإسلام].
[8] [ص7/ المجلة العربية/ شعبان 1327هـ/ عدد 331/ 2004م].
[9] [ص87/ السيد المهذب].
[10] [النساء: ١٢٣  ].
[11] [الأخر الكريم: موفق أبو عمر].
[12] [الأخ أبو عامر].
[13] [الرحمن: ٣١].
[14] [ابن الجوزي].

أقدار الناس

أقدار الناس
 
قال عز وجل : (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ... )) ([1]).
من كلام نبيناe  (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، و يرحم صغيرنا، ويعَرْفِ لعالِمنا([2]))([3]).
لأقدار الناس ومقاماتِهم – الدينية منها خاصة – حُرْمة يجب أن تراعى، واحترامُ الآخرين من ذوي الشَرَفِ والمكانةِ خُلقٌ يجب أن يَتعلمه أولادُنا – وهم صغار – وقد ذكر العلماء إن 80% من أخلاق الطفل تتكون قبل سن الخامسة وأن90% من شخصيته تتكون في سن السابعة. وقد استهان كثير من الناس بمواقع الحرمة، فلا قدر عندهم لشريف ولا لعالم ولا لشيخ كبير، ولا لوالد.
قال حماد بن زيد t( كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ذلك النبيe  فصلى الظهرَ ثم أتاهم لِيُصلِحَ بينهم ثم قال لبلال: يا بلال! إذا حَضَرتْ الصلاةُ ولم آتِ فَمُرْ أبا بكرt فليُصَلِّ بالناس، فلما حَضَرتْ صلاةُ العصر أذن بلالٌ ثم أقام، ثم قال لأبي بكرt تقدّم، فتَقدَّم أبو بكرt فدخل في الصلاة ثم جاء رسول اللهe  فجعل يَشُقُّ الناسَ حتى قام خلف أبي بكرt قال: وصَفحَ([4]) القوم، وكان أبو بكرt إذا دخل في الصلاة لا يلتفتُ، فلما رأى أبو بكرt، التصْفيحَ لا يُمْسَكُ عنه التفت فأومأ إليه رسول الله e، أي أمضِهْ، فلما قال لبث أبو بكرt هنيهة([5]) يحمد اللهَ على قول رسول اللهe  أمضه، ثم مشى أبو بكرt القهْقرى على عَقِبَيه فتأخر. فلما رأى ذلك النبيُّ e تقدم فصلى بالناس، فلما قضى صلاتهُ قال: يا أبا بكرt! ما منعك إذ أومأتُ إليك ألا تكونَ مضيتَ؟ قال: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول اللهe  )([6]).
قال ابن عباس t - وهو غلام – (أتيتُ رسول الله e وهو يصلي من آخر الليل ، فصليتُ خلفه فأخذ بيدي فجَّرني فجعلني حِذاءَهُ([7])، فلما أقبل رسول اللهe  على صلاته خَنَسْتُ، فصلى رسول اللهe  فلما أنصرفَ قال لي: ما شأني أجعلك حذائي فتخنِس؟ فقلتُ: يا رسول الله e! أوينبغي لأحد أن يصلي حِذاءك وأنت رسول الله e الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبه فدعا الله لي أن يزيدَني علماً وفهماً )([8]).
 
بداية الأدب في ماليزيا يُرَبى الطفل على تقبيل أيدي والديه واحترام الكبير، وهذا جزءٌ من التوازن النفسي للشخصية، فللأبوة سابقة، وللعلم سابقة، وللنسب الشريف سابقة وللعمر سابقة.
قال زياد([9]): ( استوصوا بثلاثة منكم خيراً، الشريف والعالم والشيخ، فوالله لا يأتيني شيخ بشاب قد اسْتَخَفَّ به إلا أوجعته، ولا يأتيني عالم بجاهل قد أستخفَّ به إلا  نكّلتُ به، ولا يأتيني شريف بوضيع قد استخفَّ به إلا انتقمتُ له منه فإنما الناسُ بأعلامهم وذوي أسنانهم )([10]).
قال عباد بن محمد البصري (توسع المجالس لثلاثة لحامل القرآن، ولحامل الحديث، ولذي الشيبة في الإسلام)([11]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين:
قال تعالى: (( وضرب الله مثلا رجلين احدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ))([12]).
 
الخطبة الثانية
 
عن أبي شُريح الخزاعي (رحمه الله) قال: (خرج علينا حذيفة بن اليمان t فقال: هل أتاكم الخير؟ قلنا: وما ذاك قال: هلك عثمان t، قلنا: هلكنا والله إذاً، قال: إنكم لن  تهْلِكوا، إنما تهلِكون إذا لم يُعْرَف لذي شيبةٍ شيبته، ولا لذي سن سِنهُ)
 
قال الحسين بن منضور (رحمه الله): (كنت مع يحيى النيسابوري واسحق بن راهويه نعود مريضاً، فلما حاذينا الباب تأخّر أسحق وقال ليحيى : تقدم، فقال يحيى: تقدم أنت، قال: يا أبا زكريا! أنت أكبرُ مني، قال: نعم أنا أكبر منك وأنت أعلم مني فتقدم أسحق بن راهويه رحمه الله)([13]).
 
(أنطلق عبد الرحمن بن سهل ومُحّيصَة وحُوَيّصة ابنا مسعود إلى النبي e فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال (كَبِّر كَبِّر) – وهو أحدث القوم – فَسَكتَ )([14]).
 
قال قيس بن سعد بن عُبادة t: (شَهدتُ المدينة فلما أقِيمتْ الصلاةُ تَقَدَّمتُ فقمتُ في الصف الأول، فخرج عمر بن الخطاب t فشق الصفوف ثم تقدَمَّ وخرج معه رجل خفيفُ اللحية، فنظر في وجوه القوم، فلما رآني دفعني وقام مكاني، وأشتد ذلك عَليّ، فلما أنصرفَ التفتَ ألي فقال: لا يَسُؤك ولا يحزُنكَ أشقُّ عليك – إني سمعتُ رسول الله e يقول (لا يقف في الصف الأول ألا المهاجرون والأنصار فقلتُ: من هذا؟ فقالوا: أبْي بنُ كعب t)([15]).
 
عن علي بن ربيعة (رحمه الله): (انه خرج في أثني عَشَرَ راكباً كلُّهم قد صحب محمداً e، وفيه سلمان الفارسي t - وهم في سفر – فحضَرتْ الصلاة فتدافع القوم، أيَّهم يصلي بهم، فصلى بهم رجل منهم أربعاً، فلما أنصرف قال سلمان t: من هذا؟ مراراً، نصف المربوعة([16])، نحن إلى التخفيف أفقر، فقال له القوم: صلِ بنا يا أبا عبد الله، أنت أحقنا بذلك، فقال: لا أنتم بنوا إسماعيل الأئمة ونحن الوزراء)([17]).


[1] [الزمر: ٩].
[2]  [أي قدْره وشرفه، والقدر: الحرمة والوقار].
[3] [101/ ج1/ صحيح الترغيب والترهيب].
[4]  [أي: صَفَّق].
[5]  [أي: ساعة يسيرة]
[6] [853 صحيح ابن خزيمة]
[7]  [أي: بجانبه].
[8] [724/ صحيح].
[9]  [هو زياد بن أبيه]
[10] [ص75 الإدارة الإسلامية محمد كرد علي].
[11]   [الجامع الخطيب 1/344].
[12] [النحل:76].
[13] [8/171 الجامع/للخطيب/ص249 ترتيب المدارك للقاضي/عياض].
[14]  [متفق عليه].
[15] [3/303 رواه الحاكم وصحيح الذهبي].
[16]  [أي: يجب أن يُصلى بهم نصف الصلاة الرباعية لأنهم في سفر].
[17] [ص281 إرواء الخليل / أقضاء الصراط المستقيم].