23‏/5‏/2013

النسب الأصيل وعلاقته بالفعل الجميل


النسب الأصيل وعلاقته بالفعل الجميل
قال تعالى : يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا )) ([1]).
 قال المفسرون: في هذه الآية إشارةٌ لطيفة، هي: أن أصالة النسب توجب الفعل الجميل والعمل الصالح وتستنكر كل ما فيه مَعَرَّة، وأن أرباب النسب الشريف –كما قال محمد كرد علي(رحمه الله)- يرغبون في الكرامة ويتشبهون بأوائلهم في مكارم الأخلاق وقد وجد العلماء بالاستقراء الاجتماعي أن الأخلاق الطبيعية الأساسية هي أوفرُ لدى أبناء العائلات العريقة من شجاعة وكرم ووفاء وصدق وبُعدٍ عن الغدر وكراهة الطعن من الخلف، مع أنهم قد يتلبسون بمنكرات إلا أن هذه سيئات طارئة يمكن التوبة منها، إنما البناء في الحياة بناء الأخلاق الأساسية!!
حكى لي أحد الأخوة قال: (بينما أنا جالس بين شِلة من أصدقائي في مدينة ديار بكر وماردين على مائدةٍ نشرب الخمر إذ قال أحد الحاضرين الأتراك –وباللغة العربية- أنا من أصل عربي من مدينة الموصل في العراق منطقة الميدان هاجرنا على أثر ثارات، فقلتُ([2]): أنا أصلي من هذه البلدة، فقال: هذه المِنطقة تسمى منطقة المشايخ، فمن كان من أقربائك هَهُنا؟ قلتُ([3]): هنا قبر جدي (فقير الله) قال: فما شعرتُ إلا وهو يقوم واقفاً فقلب مائدة الخمر رأساً على عقب فلوث ثيابنا، وتكسرت زجاجات الخمر فقال الحاضرون: ما الذي دهاك؟ أجُننِت؟ فقال لي: أنتَ جدك فقير الله وتشرب الخمر؟([4]) إن جدك كان يؤتى إليه بالمجانين رجاء الدعاء لهم وقد أعطاه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (رحمه الله) فرَمَاناً([5]) خاصاً لا يستطيع أحد أن يوقفهُ أو يتعدى عليه، ثم قال: قم أغسل فمك واستغفر ربك وتوضأ وصلِّ.
قال الثعالبي: (يستدل على عقل الرجل بقوله، وعلى أصله بفعله)([6]).
وقد قال الأولون: (إذا كنتَ شجاعاً وذا مروءة فما ذاك إلا لأنك أصيل).
قال الإمام الشافعي (رحمه الله): (أظلم الناس لنفسه اللئيم([7]) إذا ارتفع جفا أقاربه، وأنكر معارفه، واستخفَّ بالأشراف وتكبر على ذوي الفضل)([8]).
وصدق من قال: (ليس أوفى من دنيء الأصل لأنه يؤدي أمانة أبيه)([9]).
إن أهل الأصول العريقة يستحيون لأنسابهم، وقد أعجبني جداً كلام لأحد أبناء الأشراف، قال: كانت عمتي عُلَيّة تقول: اللهم لا تغفر لي حراماً أتيتهُ ولا عزماً على حرام، وما استغرقني لهو قط إلا ذكرتُ سببي من رسول الله e فقََصَرْتُ فيه، وإن الله ليعلم أني ما كذبتُ قط، ولا وعدتُ وعداً فأخلفته([10]).
قال أحد حكماء الهند: (إني لا أحارب ذلك الذي ألقى سيفه، ولا الذي سقط أو سَلم سيفه، ولا أحارب امرأةً ولا من يحمل أسمَ امرأةٍ كما لا أحارب وضيعَ النسب)([11]).
وقد قِيل لزين العابدين t: ما بالك إذا سافرت كتمتَ نسَبَك عن الرفقة؟ قال: أكره أن آخذ برسول الله e ما لا أعطى مِثله).
لقد حث ديننا على الاهتمام بالأنساب للتواصل وحفظ الحقوق فمن كلام نبينا e : (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)([12]).
قال اسحق بن سعيد (رحمه الله): (كنتُ عند ابن عباس (رضي الله عنهما) فأتاه رجل فسأله: من أنت؟ قال: فمَتَّ له برحم بعيدة، فألان له القول، فقال: (قال رسول الله e إعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم...)([13]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا )) ([14])


الخطبة الثانية
قال أحمد بن إسماعيل: (كان أبي ومشايخُ أهلي يجلسون إلى أبي جعفر المنصور، وإِنا صرنا في مجلسه ذاتَ يوم... فدخل فقاموا له كنحوِ ما كانوا يفعلون، فقال: ما هذا؟ إنما ينبغي أن تفعلوا هذا بحضرة العامة لتشدوا بذلك سلطانكم،، فإما مجالس الخلوة فنحن فيها إخوة، ثم أمرهم بالجلوس وقال: يا عمومتي ويا إخوتي! كأني بالرجل منكم ومن أبنائكم أو من أبناء أبنائكم بين يدي الرجل من ولدي أو ولد ولدي ينتسب له فلا يَعرفهُ بل لعله يبلغ عليَّ بن عبد الله بن العباس، فذهبوا ليتكلموا فقال: أقسمت عليكم لما سكتم، قال أحمد([15]): وضرب الدهرُ ضرباته([16]) ومات المنصور ثم المهدي والهادي ووليّ الرشيد وخرج إلى الرقة فكان أول ما لقيت موكباً فقلتُ: ما هذا؟ فقيل لي: وليا العهد الأمين والمأمون فترجلتُ وسَلمتُ عليهما فقالا: من أنتَ؟ فقلتُ: أحمد بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وبكيتُ، فانتهى الخبر إلى الرشيد فدعاني، فلما دخلتُ عليه قال: ممَ بكيت؟ فسقتُ إليه خبر المنصور فبكيتُ إذ كنتُ المبتلى بذلك دون من حضره، فقال: هما ابنا أخيك... وهي عورة فاسترهما، ولن تسأل عن نسبك بعد اليوم، ما أقدمك؟ قلتُ: دَين لزمني قال: كم هو؟ قلتُ: عشرون ألف دينار فقال: يا غلام! أحملها إليه الساعة وأجعل معها خمسة آلاف دينار لحفظه الحديث عن المنصور)([17]).


[1] [مريم:28].
[2] [الكلام للراوي].
[3] [الكلام للراوي أيضاً].
[4] [قال وتشرب الزقنبوت].
[5] [الفرَمان: عهد السلطان].
[6] [ص38/ رسائل الثعالبي].
[7] [الدنيء الأصل].
[8] [ص102/ سراج الملوك/ للطرطوشي].
[9] [متعة الحديث/ عبدالله الداود].
[10] [ص56/ أشعار أولاد الخلفاء/ للصولي].
[11] [ص136/ تاريخ الصِلات بين الهند والبلاد العربية].
[12] [2462/ السلسلة الصحيحة].
[13] [277/ جـ1/ السلسلة الصحيحة].
[14] [الفرقان].
[15] [راوي القصة].
[16] [مَرَّ وذهب بعضه].
[17] [167/ غرر الخصائص – ص248/ جـ1/ قصص العرب/ محمد أحمد حامد المولى].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق