24‏/5‏/2013

الحرية الشخصية الاجتماعية.. حدودها وآدابها


الحرية الشخصية الاجتماعية.. حدودها وآدابها
تاريخ الخطبة: 20/ جمادى الآخر/ 1433هـ – 11/5/20121م

قال تعالى: (( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون )) ([1]).
هل نحن أحرار في كل ما نريد أن نقول ونفعل؟ وما حدود هذه الحرية؟ وما آدابها؟
قال العلماء: (إن الحرية هي حق الإنسان أن يحيا وفق خصائصه الإنسانية العليا، لا حق للحيوان الذي يبعث وفق خصائصه الدنيا، وهي لا تعني أن يفعل المرءُ ما يحلو له باسمها إنما هي مقيدةٌ بقيدين أساسيين!
القيد الأول: عدم الخروج على أحكام الشريعة.
القيد الثاني: عد الإضرار بمصلحة الآخرين العامة والخاصة، لقوله e (لا ضرر ولا ضرار)([2]).
والذين يزعمون أن من حقهم أن يقولوا أو يفعلوا ما يشاؤون باسم الحرية -وبلا ضوابط- إنما هم عبيد لأهوائهم وليسوا أحراراً.
قال نبينا e : (مثل القائم([3]) في حدود([4]) الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا([5]) على سفينة، فصارَ بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلها، وكان الذين في أسفلِها إذا استَقوا من الماء مَروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نُؤذِ من فوقنا! فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجوا جميعاً)([6]).
في مسألة يسيرة جداً، أراد صحابة رسول الله e أن يتصرفوا فيها بحريتهم فقيدها بضوابط الشريعة، قال لهم: (إياكم والجلوسَ في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله! ما لنا من مجالسنا بدٌّ، نتحدث فيها! فقال رسول الله e إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)([7]).


تعليق:
1-                    استعمال مكبرات الصوت إلى ساعة متأخرة من الليل وإطلاق العيارات النارية وقطع الشارع.
2-                    التدخين في بيوت الناس ومجالسهم الخاصة بغير إذنهم.
3-                    استعمال منبه السيارات وقت القيلولة وآخر الليل وفي الصباح الباكر.
4-                    البيع بالخسارة للإضرار بالآخرين.
5-                    تكشف النساء الفاضح عدوان على عفة الرجال.
حريتك الشخصية تنتهي حيث يبدأ الضرر على الآخرين.
عن جابر t : (أن رجلاً أتى النبي e فقال: إن لفلان في حائطي عِذقاً وإنه قد آذاني وشق عليَّ مكانُ عِذقِهِ، فأرسل إليه النبي e فقال: بعني عِذقك الذي في حائط فلان، قال: لا: قال: فهبهُ لي! قال: لا، قال: فبعنيه بعِذق في الجنة، قال: لا، فقال رسول الله e: ما رأيت الذي هو أبخلُ منك، إلا الذي يبخل بالسلام)([8]).
قال أحدهم: (أوقف والدي سيارته أمام حديقة عامة وأشعل آخر (سيجارة) ثم رمى العلبة الفارغة في الحديقة، وكانت امرأة عجوز تجلس على أحد مقاعد الحديقة فالتقطتْ العلبة وسألت والدي: هل تريد هذه العلبة؟ قال: لا، قالت العجوز بصوتٍ عال: ونحن لا نريدها ورمت بها في داخل السيارة)([9]).
حكى الدكتور مهدي السماك قال: (في ساعات متأخرة من الليل يقول أحدهم: دكتور! الحبوب تؤخذ قبل الطعام أم بعده؟ وآخر كلمني في الساعة الثانية ليلاً يعاتبني على أن المريض لم تتحسن حالتُه المرضية وبعد مرور أربعة أيام على مراجعته إيايَ، وحينما سألته هل أكمل تناول العِلاج؟ أجاب: إننا لم نشتر الدواء بعد. وآخر أيقظني في منتصف الليل مستنجداً بي أن أخاه يشكو من وجع بطني مفاجئ وأنه سيجلبه إلى داري خلال نصف ساعة ومضت ثلاث ساعات ولم يأتِ أحد، ولكنه اتصل بي بعد ثلاثة أيام معتذراً بأن أخاه قد تحسنت حالتُه بعد المخابرة ولم يجد –حسب قوله- حاجة لإزعاجي)([10]). هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) ([11]).

الخطبة الثانية
وأخطر أنواع الحريات الاجتماعية ما كان متعلقاً بالأخلاق. فقد ذكر عبدالجبار الوائلي في كتابه ((الحكيم)) ما يأتي: (حدثني شاب أن طبيباً انكليزياً سأله عن بلده، فلما قال له: إنه من العراق، قال: هل غزتكم مدنيتنا الاجتماعية المتطرفة؟ قال: بعض الشيء وسوف نتجاوزكم، قال الطبيب: لا أرجو لكم ذلك فتشقوا كما شقِينا، تصور حالي إذا رجعت إلى البيت قد لا أرى زوجتي وبناتي وأولادي الليلة والليلتين مع هذه الوحوش البشرية عليكم بالحرية المعتدلة التي لا تتجاوز حدودَ أخلاقكم)([12]).
إننا نتشرف بديننا وضوابطه في الحريات العامة، فنعمة الإسلام حولها لا مثيل لها في عالم اليوم، ولقد وقفت سونيا ملكة السويد أمام مشاركين في أول مؤتمر([13]) لبحث القضايا الأخلاقية الشاذة، والذي عقد في استوكهولم وحضره ممثلون عن 126 دولة و 50 منظمة دولية، قالت الملكة: الدول الإسلامية ليس فيها هذا البلاء وعلى الدول الأوربية أن تحذوا حذوها في حمايتها للفرد والمجتمع)([14]).


[1] [الجاثية:18].
[2] [250/ جـ1/ السلسلة الصحيحة].
[3] [معناه: المُنكر لها، القائم في دفعها وإزالتها].
[4] [ما نهى الله عنه].
[5] [إقترعوا].
[6] [5/94 / البخاري].
[7] [5/81/ البخاري – 2121/ مسلم].
[8] [164/ السلسلة الصحيحة (وفي رواية أنت مضار)].
[9] [مجلة      عدد 642/ ت أول 2011].
[10] [ص152/ مذكرات وخواطر طبيب بغدادي].
[11] [العصر:1_3].
[12] [ص128].
[13] [23 – 31 آب 1997].
[14] [ص66-68/ تأملات مسلم/ محمد رشيد عويد].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق