28‏/5‏/2013

الخمر والمخدرات


الخمر والمخدرات

قال تعالى: (( يأيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )) ([1]).
من كلام نبينا e: (الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته)([2]). ومن كلامه: (كل مسكر حرام)([3]).
العقل نعمة كبرى –على العبد- إذا سقط سقطت معه الأحكام والتكاليف الشرعية كما تسقط عن المجنون وهذا ما تفعله الخمر والمخدرات في عالم اليوم، فهي جماع الإثم، ومفتاح الشر، وسَلابة النعم، وجَلابة النِقم، وسَبب لمعظم جرائم القتل والاغتصاب، والاعتداء على المحارم من الأخوات والبنات والأمهات والعمات والخالات.
ولذا قال الدكتور (ديوب) أستاذ الطب الباطني في جامعة شيكاغو: (اذهبوا ونادوا في الناس وقولوا لهم: إن الخمر تُخرِجُ شاربها من النور إلى الظلمة، ومن الصحة إلى المرض، ومن النعيم إلى الشقاء، ومن الإنسانية إلى الوحشية، وإنها أكبر مُحطِّم لسعادة الأمم، وإنها شيطان رجيم. ولذلك ركز العالم الغربي جهوده –عند احتلال ديار الإسلام- على ترويج الخمر والمخدرات، حتى قال قائلهم([4]): (إن أحَدَّ سلاح وأمضى سيف يُقتلْ به المسلمون هو الخمر والمخدرات).
وقد شعرت الأمم الحية بخطورة المخدرات على سياساتها العسكرية والاقتصادية والصحية والنفسية فأصدرت أحكاماً رادعة وضربت –وبقوة- ضربتها القاضية على كل منافذها فـ (حرب الأفيون) كانت ردة فعل لما فعلته بريطانيا في إدخالها المخدرات إلى الصين، وكانت قسوتها شديدة الفعالية (وذلك بتجنيد جيش جرار من عربات [الكارو] وعلى كل عربة مَشنقة واثنان من المدَّرّبين والمكلفين بالمرور في كافة أنحاء الصين في الطرقات والشوارع والحارات، فإن وجدوا أيَّ شخص صيني عليه شُبهة أنه مُخدَّر يأخذونه ويشنِقونه فوراً ويرمون جسدَه لتلتقطه كيمونات([5]) تسير خلف [الكارو] وتُلقي بحمولتها في أفران لحرق الجثث كلما امتلأ الكيمون) هكذا بلا رحمة أو محكمة أو محامين أو أدِلة ولا وساطة
ولا شعارات ولا حقوق إنسان، وبذلك فقط تخلصت الصين نهائياً من مدمني الأفيون وانتهت تجارته)([6]).
حكى الدكتور سعيد بن مسفر حفظه الله قال: (لقد رأيتُ في الصين [300] مدمن جيء بهم إلى ساحة الألعاب واعدموا لتناولهم المخدرات).
أنقل لكم بعض صور مخازي المخدرات –وهي كثيرة-: (قيس بن عاصم t شرب –ذات يوم في جاهليته- فسَكِر سُكراً قبيحاً فجذب ابنته وتناول ثوبها وغَمْغَم بشيء، فلما صحا خبّرته ابنته بما صنع فآلى لا يذوقُ الخمر أبداً)([7]).
وذكرت الأخبار: أن أماً حبست ابنتها أسبوعاً كاملاً في خزانة خشبية –وهي في الرابعة من عمرها- بلا طعام أو شراب وعثر عليها ميتة، ومما أثار غضب القاضي –لما وقفت أمامه- أنها جاءت حاملاً بتوأمين لا تعرف الرجلَ الذي حملت بهما منه)([8]).
حكى الدكتور عبد المحسن بن جْلوُي قال: (أخبرني أحد المشتغلين بشأن المخدرات، قال: رجل مرموق هادئ –عنده مشكلة- زاره رفيق سوء يعرف حاله وقدم له حبة قائلاً له: إنها ستُريحُه وجاءت الثانية والثالثة وجاء الإدمان، وباع كل شيء وجاء رفيق السوء فقال المدمن: أعطني مخدر، قال: هات المال، قال: لقد بعتُ كل شيء –وهنا دخلت ابنته البالغة من العمر سبعَ سنوات- قال: أريد هذه وأعطيك ما تريد، فأخذ المخدرات وترك ابنته ليعبث بها الضيف الثقيل فصرخت الطفلة وجاءت أمها لترى الكارثة، فأخذتها إلى المستشفى وقبض على الطالب والمطلوب، وأودعا السجن بعد أن تركا عائلتين محطمتين).
ما العلاج؟!!
1-         التركيز على التربية الإيمانية المبّكرة، قال أهل العلم: (ما ضل أحد في هذا الطريق إلا بفساد الابتداء)، قال أنس بن مالك t : (... إني لقائم اسقيها –أي الخمر- أبا طلحة وأبا أيوب، ورجالاً من أصحاب رسول الله e في بيتنا إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا، قال: فإن الخمر قد حُرِّمت، فقال: يا أنس! أرِق هذه القِلال، قال: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل)([9]).
2-         إيجاد الصحبة الصالحة.
3-         العقوبات الرادعة. قال تعالى: (( ولكم في القصاص حياة ... ))([10]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( يأيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )) ([11]).

الخطبة الثانية
قال السفير الأندلسي أحمد بن قاسم الحجري (رحمه الله): (مشيتُ يوماً إلى قاضي (بريش)([12]) قبل غروب الشمس فدخلتُ داره فقال: أتحبُّ أن تتعشى عندنا؟ قلتُ: لا يجوز لي بعضُ طعامكم، قالوا: ما نعطيك إلا ما يجوز في دينكم، وعندنا ضيف من أكابر المملكة، وكان ذلك عام 1021هـ فدخلتُ معه وأعطوني كرسياً والمائدة بيننا، وحَمَاةُ القاضي قاعدة، وابنها قاضي وأخوها قاضي – والرجل الكبير الشأن قاعد مع الجميع- فقالوا: للضيف: هذا رجل تركي (لأن الفرنج لا يقولون للمسلم إلا تركي) والمرأة ترفد من الطعام وتضعه قدامي وأيضاً أخوها وابنها، فابتدأ قاضي الأندلس بالكلام قال: ما السبب حتى منعكم نبيكم الخمر؟ قلتُ: منعه الله تعالى لأن أفضل ما تكرّم به على بني آدم هو العقل، والذي يزيله هو الخمر، قال: حتى عندنا هو ممنوع أن يشرب الإنسان منه حتى يسكر فنحن نتحفظ في شربنا حتى لا يذهب العقل، قلتُ لهم: عندي أن من هو مثلكم قضاة وعلماء ومن أكابر الناس أن الإنصافَ للحق موجود عندكم، والبعدَ عن الكذب وإلى هذا تحلفون بدينكم أنكم ما زدتم قط من شرب الخمر حتى ذهب العقل؟ فضحكوا جميعاً وبضَحكهم اعترفوا قلت لهم: قرأت في الإنجيل أن النبي زكريا عليه السلام جاء مَلك من عند الله وقال له: قد قبل الله دعاءَك وامرأتك تلد ابناً لك يدعى يوحنا ويكون عظيماً قدام الرب لا يشرب خمراً ولا مُسْكراً، قلتُ لهم: هذا الذي أخبر به الملك من عند الله تعالى أنه لا يشرب خمراً ولا مسكراً هو كمالٌ في حق الولد أم نقصان؟ قالوا: إنما ذلك كمال فيه، قلتُ لهم: كذلك هو كمال في ديننا ولا نشرب خمراً ولا مسكراً... قال: ثم أبصرتني المرأة –ورعت أن لا يراها أحد- فأعطتني دراهم ذهباً ليس بالقليل)([13]).



[1] [المائدة:90].
[2] [1637/ السلسلة الصحيحة].
[3] [4550/ صحيح الجامع].
[4] [المستشرق الفرنسي: هنري].
[5] [حاويات سّيارة].
[6] [ص43-44/ حكايات دبلوماسية من ذاكرة السفير فتحي الجوليلي].
[7] [ص25-26/ الاشرب/ لابن قتيبة].
[8] [ص55/ تأملات مسلم/ محمد رشيد عويد].
[9] [6/87 / رواه مسلم].
[10] [البقرة: ١٧٩].
[11] [الأنفال: ٢٤].
[12] [مدينة في الأندلس].
[13] [ص68/69/ رحلة فوقاي الأندلس/ مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب/ أحمد قاسم الحجري].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق