المسؤولية الفردية في إصلاح الأمة
وفي حديث ضعيف السند صحيح المعنى: (لا تكونوا
إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسَنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسَن
الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا)([2]).
الآية التي ذكرناها تشير إلى قاعدة من أجَل
القواعد العامة في قيمة المسؤولية الفردية في إصلاح الأمة، وهي أننا مكلفون
بالإستقامة على شريعة الله الهادية، لا يضرنا من خالفنا، ولا يثبط عزمنا فساد من حولنا،
والحساب يوم الحساب –كما أشارت إليه الآية- (...إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم
بما كنتم تعملون)([3]).
ومعظم من نلقاهم اليوم –من الناس- يُلقي
اللوم فيما يراه من فساد على جهة حاكم أو محكوم، وقد يكون هو أحدَ أطراف الفساد في
الأمة.
قال عبد الكريم بكار: (النهوض بالأمة يقتضي
على نحوٍ ما أنْ ينهض كل واحد منا على صعيده الشخصي، ما لم نفعل ذلك فإن الغد لن
يكون أفضل من اليوم).
قال الدكتور عائض: (إذا وقعت بالأمة مصيبة
أحالتْ كل طائفة السبب إلى الطائفة الأخرى، فالعامة يتهمون الحكام بالظلم...
والحُكام يرون العامة أهلَ فتن ومُشاغبات، والعلماء يشكون من جهل الناس وسوء
أدبهم، والفقراء يتهمون الأغنياء بالبخل وكلُّ فريق ناقمٌ على الآخر، والصحيح أن
مُعظمنا صنعوا المشكلة وشاركوا فيما حل بنا إنما صح وضع الخلافة الراشدة لأن
الخلفاء عدول صالحون والعلماء بررة أخيار، والقضاة أتقياء والعامة سامعون مطيعون،
ثم اختلف الحال فصارَ جسم الأمة مريضاً، فيا إخوان!على كل واحدٍ منا أن يصلح نفسه
وعمله)([4]).
قال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب t (يا أمير المؤمنين! ما بال أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) إنطاع الناس لهما –والدنيا عليهما أضيق من
شبر- فاتسعت عليهما ووليتَ أنتَ وعثمان الخلافة فلم ينطاعوا لكما وقد اتسعت فصارت
عليكما أضيقَ من شِبر؟ فقال عليٌّ t : لأن رعية أبي وعمر
(رضي الله عنهما) كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك)([5]).
الحقيقة: إن سقوط أية أمة هو نتيجة حتمية
لفساد الحكام والمحكومين، ولا تقوم لأية أمة قائمة ما لم يُؤد حكامُها ومحكوموها
دورهم بأمانة، ولطالما طُرِح سؤال ما سر القوة التي تسلط بها علينا العالم الغربي؟
وقد أجاب على هذا السؤال المفكر علي عزت (رحمه الله) قال: ( إن قوة العالم الغربي لا تكمُن في
طريقته في الحياة، وإنما في طريقته في العمل والعلم والشعور
بالمسؤولية).
لقد أوقف شرطي بريطاني ابنة ملكة بريطانيا،
فاستدعته الملكة وشكرته ورفعته لمَا قال لها: إنه يقوم بواجبه، وقد أدى التحية
للدوق بعد أن كتب رقم السيارة).
والأمراء هناك يقفون في الصفوف لا تحرسهم إلا
قلوب الرعية، وتلكَ صلة تقررت أيام الخِلافة الراشدة، الحاكم والد وأفراد الأمة
أبناؤه.
خيانة الأمة من حاكم أو محكوم جريمة يَصْعُبُ
على الإشراف احتمالُها، بل حتى الذين لا دين لهم
في معركة (لينين غراد) وفي أخطر جبهة من
جبهات الحرب العاملية الثانية في الإتحاد السوفيتي، وقع ابنُ الرئيس السوفيتي
(جوزيف ستالين) أسيراً بيد الألمان ودارت الأيام وبعد ما يزيد على تِسعمائة يوم
حدثت معركة (ستالين غراد) ودارت الدائرة على الألمان، وتمكن الروس من إيقاع
الهزيمة بهم وأسروا قائد الجيش الألماني الخامس (الغون باولوس) فأرسل الألمان
مفاوضين عن طريق هيئة الصليب الأحمر مُبدين استعدادهم لإطلاق سراح ابنه مُقابل
إطلاق سراح الجنرال الألماني المذكور! وبعد أن ارتشف رشفة من غليونة الكبير أجابهم
ضاحكاً: إن هذا شيءٌ يَسُره ولكنَّ تعليمات وقوانين الأسرى تمنع مبادلة جندي
بجنرال أو قائد جيش، ورجع الوفد المفاوض.
الخطبة الثانية
كان أحد الحكام الأجانب([7]) إذا قلد قائداً سيفاً يقول له: هذا سيف
الأمة، أرجو أنْ لا اتعدى القانون حتى لا يكونَ له نصيب في عنقي)([8]).ونحن اليوم يجب أن نقولَ: شريعةُ الله سيف
الحق ونرجو اللهَ أن لا نتعدى حدودها حتى لا نكون من أهل النار.
لقد زجت بريطانيا وزيرها: (جوناثان ايتكينز)
في السجن لتلقيه رشاوى. وأجرى القضاء الألماني تحقيقاً شاملاً مع المستشار هيلموت
كول الذي حكم ألمانيا ستة عشر عاماً بشأن أموال سرية تبلغ مليوني مارك ألماني
تلقاها كتبرعاتٍ لحزبه. وجالبْ النصر للفرنسيين الجنرال ديكَول، قالوا له ذات يوم،
أيها الجنرال! أترك منصبك، فقال: إذا لم يحبني الناس سأغادر البلد، وغادر إلى قريته
ومات ودُفن فيها بلا احتفال وأرملته احتوتها دار العَجَزة. كلمات في محاسبة
النفس أعجبتني:
قال زوربا اليوناني: إنني أغربل نفسي كلما
تقدم بي العمر، إنني أتحرر من عبوديتها، إنني أصبحُ إنساناً.
وصدق ميمون بن مِهران القائل: النفسُ كالشريك
الخّوان، إذا لم تحاسبه ذهب بمالك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق