رجال ومواقف
قال تعالى: ((
وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني
لك من الناصحين ))([1]).
في عالم القِيم جعل الله للرجولة والذكورة في الإنسان والحَيَوان
هيبة، فهي في الإنسان شجاعةٌ وكرمٌ وصدقٌ وقوةُ إرادة ومروءةٌ وشهامةٌ وَغيرة على
الأعراض وغيرُ ذلك، وفي عالم الحيوان بعضُ تلك الصفات. وفي حياتنا مواقفُ رجولةٍ
يُذكرُ فيها أصحابُها بخيرٍ ما عاشوا أو غيَبتهُم قبور، ومواقفُ فسولة([3]) يُعَيَر بها آخرون، شواهد لا بد من ذِكرها!!!
في إثرِ ما قال سعيد بن قزاز (رحمه الله) أمام
المهداوي وُضِعَ في سجن إنفرادي وطُلب منه أنْ يُقدِّم اعتذاراً للمحكمة عن
العبارة التي ذكرها وهي: (لا ترهِبُني المَشنقة وعندما أصعد عليها سأرى الكثيرين
ممن لا يستحقون الحياة تحت أقدامي) إلا أنه رفض التراجع –وبشدة- مما دفع بعضَ
معارفه للاتصال بزوجته، وطلبوا منها أن تكتبَ رسالةً له لكي يُبدي شيئاً من
التنازل، ويُقدَّم اعتذاراً للمحكمة، فحَرَرّتْ زوجته رسالة إليه تتضمن ما أشاروا
به عليها عسى اللهُ أن يجعل في ذلك مخرجاً له، فكان جوابه على ظهر ورقةِ رسالتها:
(استعدي لكي تكوني أرملة)([4]).
حكى لي أحد المشايخ
قال: (توجهتُ إلى بيت الله الحرام ومنه إلى المستشفى الألماني في جُدة، رجل جالس
هو الأستاذ الدكتور خالد عبد الحميد –لديه أربع شهادات دكتوراه اختصاص عالي في الأشعة
والرنين- فعّرفني له مرافقي([5]) قائلاً: هذا الشيخ أحد الدعاة في الموصل وهو حافظ لكتاب الله تعالى،
فقام الدكتور عن كرسيه واضعاً يديه على رأسه وهو يقول: علي عيني وعلى رأسي فصافحني
وأجلسني على كرسي، وصبَّ لي قدح ماء، فلما شكرته قال لي: أنتم أصحاب فضلٍ علينا
جميعاً بعد الله، فنحن لم ندرُس إلا الطِب، أما أنتم فقد حفظتم لنا القرآن والسنة
والعلومَ الشرعية، وأحطتم أولادنا برعايتكم، وأنا يشرفني أن أخدم رجلاً عنده ميراث
نبينا محمد e
فدعوت له، فدِمعت عيناه
وقال: الآن أنت
تطلبُني على هذا الدعاء. ولما قمتُ لدفع الحساب الذي يتجاوز 700 دولار رفض أن
يتقاضاه ومسح ظهري قائلاً: يا شيخ لا تُخجلنا مع النبي e وطلب –على استحياء- أن يأخذ معي صورة وهو
يصافحني ويقول: هذا شرف لي) هذه رجولة في التواضع والخلق النبيل وفي القضايا
المالية.
تعليق:
1-
تربية الأولاد على الرجولة، عم طريق تعليمهم الرماية، والسباحة، وركوب
الخيل إن أمكن، وأشعارهم بأهميتهم.
2-
تجنيبهم أشكال التخنث والميوعة ورفع معنوياتهم.
3-
تذكيرهم بسَلفهم الصالح وبطولات أجدادهم.
حكى علي القيسي –الأردني-
قال: (كنتُ وثلاثة من أصدقائي في الجامعة نستقِلٌ سيارة أجرة وركب معنا رجل من
العامة، رثُّ الثياب، نحيلُ الجسم، تفوح منه رائحة العرق، وظلَّ صامتاً فقلتُ في
نفسي: كم هو محروم هذا الإنسان من عالم الثقافة والمعرفة والفِكر! وفجأةً سمعتُ
صوتَ فرملةٍ([6]) حادة واصطدام، فإذا طفل يهوي على الأرض مُضرجاً بالدماء من رأسه،-وأمه
تصرخ- فوَجَمنا([7]) ولم نستطع أن نفعل شيئاً وإذا بهذا الرجل ينزل من السيارة مسرعاً
وقبض على السائق الذي صدم الطفل قبل محاولتِه الهروب من الساحة، وأخذ مفاتيح
السيارة وطلب من أحدنا الوقوفَ ريثما تأتي الشرطة، وأخذ الطفل بذراعيه وأركبه
سيارة وذهب به إلى المستشفى فاختفتْ من نفسي جميع المحاضرات التي أختها من
الجامعة، لقد هَزمنا الرجلُ بشهامته ورجولته).
هذا وان خير الكلام
كلام رب العالمين: (( ومن
المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما
بدلوا تبديلا )) ([8]).
الخطبة الثانية
قال محمد علي الطاهر (رحمه الله) - صاحب جريدة الشورى
في القدس- : (أريد أن أذكر أحسن وأقبح ما جرى في أيام منع جريدتي: فمن أحسن ما جرى
أن الخوري عيسى - رئيس دير أطلس بجوار بيت لحم- أرسلَ اشتراكه إلى الشورى – وهي
ممنوعة- قائلاً: ما دامت الجريدة قد مُنِعت بسبب خدمتها الصادقة للبلد وتؤدي
مُهمتها فيجب أن أقومَ بواجبي وأدفعَ اشتراكها تقوية لها. ومن أحسن ما جرى: أن
عبدالرحيم أفندي الطوبجي –أحد أعيان القدس- اشترك في الشورى قبل منعِها بيوم واحد،
فأراد أخي أن يرد إليه ما دفع فرفض قائلاً: وهل مُنعت إلا بسبب إخلاصِها
للبلاد!!!.
أما أقبح ما جرى فهو: (- أن أحد المشتركين طولِبَ بما عليه قبل المنع
فأبى قائلاً: لا أدفع إلا إذا صدرت الشورى ثانية- ولكن يا سيدي! هب أنها ماتت هي
وصاحبُها فهل هذا مسوغ لأكل مالِها؟؟؟). ومن أقبح وأسفَل ما جري: (أن جريدة في
يافا أعلنت سرورها بمنع جريدة الشورى، وشكرت حكومة فلسطين علي منعِها إياها).
سمِع إسماعيل باشا –خديوي مصر- بفرَس مع بعض العرب بـ (نجد) –وكان مُحِباً
للخيل- فأرسل وفداً لشرائها بما بلغت فنزل وفد على ضيافة العربي صاحبِ الفرس،
ورأوا أن لا يفاتحوه بشأنها إلا بعد الاستئناس، فأمهلوه حتى الليل وأخبروه أن
مجيئهم من أجلها، ومَنوه فيها ما شاء، فقال لهم: أنها غير موجودة، فقالوا: لقد
سألنا عنها بعضَ عبيدكم ساعة ما وصلنا فأرونا إياها فلا تخفها عنا وسَلْ ما تريد،
فلما ألحّوا عليه أخبرهم بأنه لم يجد ما يذبحه لهم غيرَها، فذبحها لهم. فدفعوا له
كمية وافرة من الدنانير وأكبروا صنيعَه ثم عادوا فوجدوا الخديوي قد خرج لاستقبالهم
إلى الإسكندرية، ولما بَقروا([9]) له الحديث ارتاح من
جهة بقدر ما استاء من الأخرى واسْتقل ما دفعوا وأضعفه له).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق