ميراث الآخرة
قال جابر t : (خَلتْ البقاع حول المسجد، فأراد بنو سَلِمَة([2]) أنْ ينتقلوا قربَ المسجد،
فبلغ ذلك النبي e فقال لهم: بلغني أنكم تريدون أن
تنتقلوا قربَ المسجد، قالوا: نعم يا رسول الله! قد أردنا ذلك، فقال: يا بني سَلِمَة!
ديارَكم تُكتَبْ آثاركم، دياركم تُكتَبْ آثاركم ، فقالوا: ما يَسُرنا أنا كنا تحوّلنا)([3]).
بعض الناس يموتون، ويتركون
آثاراً لرحمة الله تجري عليهم –وهم في القبور- جعلنا الله منهم بمنه وكرمه، وآخرون
يموتون وغضب الله ولعنتُه تلحقهم –وهم في قبورهم- إلى يوم الدين، أما الأولون فقد قال
نبينا e:
(إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً نشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً
وَرَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لأبن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها
من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته)([4]).
وأما الآخِرون فقد ذكر
أحد الدعاة: (أن أحد الشباب اشترك لمدة خمس سنوات بإرسال الصور الإباحية إلى أصدقائه
وعلى حسابه، فمات فقام أحد إخوانه بالاتصال بالشركة المرسلة للصور طالباً منهم الكف
عن إرسال الصور الإباحية، فقالت الشركة: أين الرقم السري؟ نحن لا نكُفُّ عن ذلك، وبقي
له أربع سنوات ونصف، فرأت أم هذا الشاب أن الكلاب تأتي إلى قبر ابنها وتبولُ على وجهه).
ورد في الأثر: (أنَّ عالماً
من علماء بني إسرائيل كان على بدعة ثم رجع عنها، وعمل في الإصلاح دهراً، فأوحى الله
إلى نبي من أنبيائهم! قل لفلان: إن ذنبك إذا كان فيما بيني وبينك لغفرتُه لك، ولكن!
كيف بمن أضْللتَ من عبادي فأدخلتهم النار؟؟؟).
قال اسحق بن راهويه (رحمه
الله): (تابَ رجلٌ من الزدقة وكان يبكي ويقول: كيف تقبل توبتي وقد زوّرتُ أربعة
آلاف حديث تدور في أيدي الناس؟).
كان الأمير زيادة الله
يقول: (ما أبالي إن سألني الله بمَ قدِمتُ عليه يوم القيامة، وقد قدَّمتُ أربعة قبل
وفاتي([5]) قيل: ما هي؟ قال:
- بنائي المسجد الجامع بالقيروان، أنفقتُ فيه ستة وثلاثين ألف دينار.
- وبنائي القنطرة بباب أبي الربيع.
- وبنائي الحصن بسوسة.
لما بنى نور الدين زنكي
(رحمه الله) الجامع النوري، جاء فدخل المسجد بعد تمام بنائه وصلى فيه، ثم خرج
فوقف على شاطئ دجلة، وأقبل الشيخ عمر الملا الذي أشرف على بناء المسجد الجامع –وبيده
الأوراق- ليُطلعَه على حساب ما أنفق([7]) فقال نور الدين: يا شيخ!
نحن عملنا هذا لله تعالى، دع الحساب ليوم الحساب، ثم رمى بالأوراق في ماء دجلة)([8]).
هذا وان خير الكلام كلام
رب العالمين: (( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله
إن الله على كل شيء قدير ))([9]).
الخطبة الثانية
عن جرير بن عبدالله البجلي t قال: (كنا في صدر النهار عند رسول
الله e فجاءه قوم عراة مجتابي النمار([10])، أو العباء، متقلدي السيوف
عامتهم من مُضر بل كلهم من مضر، فتمَعَّر([11]) وجه رسول الله e لما رأى بهم من الفاقة([12]) فدخل ثم خرج فأمر بلالاً
فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: ((وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب
ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم انه كان حوبا كبيرا ))([13])، وقال تعالى : ((
يأيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير
بما تعملون ))([14])،
تصدق رجل من ديناره من درهمه
من ثوبه من صاع بُرِّه، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار
بصُرةٍ كادتْ كفه تعجز عنها بل قد عَجَزَتْ، ثم تتابع الناس حتى رأيتُ كومين([15]) من طعام وثياب، حتى
رأيتُ وجهَ رسول الله e يتهلل كأنه مُذهَبَة([16]) فقال رسول الله e:
من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فلهُ أجرها وأجرُ من عمل بها من بعده من غير أن يَنقصَ
من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بَعدِه
من غير أن يَنقصَ من أوزارهم شيء)([17]).
[1] [يس: 12].
[2] [بَطن من الأنصار، كانت ديارهم على بعد من المسجد تمنعهم في سواد
الليل وفي وقت الأمطار من الحضور في المسجد].
[3] [304/ صحيح الترغيب والترهيب].
[4] [2231/ جـ1/ صحيح الجامع الصغير].
[5] [يعني: آثاره].
[6] [ص308/ جـ1/ رياض النفوس/ أبي بكر المالكي].
[7] [كان قد أعطاه ستين ألف دينار].
[8] [ص39/ نور الدين زنكي/ حسين مؤنس].
[9] [البقرة: ١٤٨].
[10] [جمع نَمِرة: كساء من صوف والجوب القطع قد خرقوها في رؤوسهم].
[11] [تغير].
[13] [النساء:1].
[14] [الحشر: ١٨].
[15] [أي: صُبرتين].
[16] [أي: الصفاء والاستنارة].
[17] [1017/ مسلم].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق