شهادة الحق
من كلام نبينا e
: (إن بين يدي الساعة تسْليمَ الخاصةِ، وفُشُوَّ التجارة حتى تعين المرأةُ زوجها
على التجارة، وقطعَ الأرحام، وفشُوَّ القلم وظهورَ الشهادة بالزور،، وكِتمان
الشهادةِ بالحقِ)([2]).
عن أبي سبّاع (رحمه
الله) قال: (اشتريتُ ناقة
من دار واثلة بن الاسقع t
فلما خرجتُ بها أدركني –وهو يجرُ إزارَه- فقال: يا عبدالله! اشتريتَ؟ قلتُ: نعم،
قال: بَيَّن([3]) لكَ ما فيها؟ قلتُ: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرةُ الصحة، قال:
أرَدْتَ بها سفراً، أو أردتَ بها لحماً؟ قلتُ: أردتُ بها الحجَّ، قال: فإن
بِخُفِها نَقباً([4])، فقال صاحبُها: ما أردتَ أيْ هذا –أصلحك الله- تُفسِدُ عليَّ؟ قال:
إني سمعتُ رسول الله e
يقول: (لا يَحِلُ لأحدٍ يبيعُ شيئاً إلا بَيَّن ما فيه، ولا يحلُ لمن عَلِمَ ذلك
إلا بينه)([5]).
أقولُ: إذا كان ديننا لا يقبل الغِشَّ في بيع الدواب حتى يُبينَ ما
فيها من العيوب ولا يَكتمُ شهادة الحق عليها فكيف يتساهل ناسٌ في تزكية من يُقدِمُ
على الزواج –حين السؤال عنهم- وهم لا يعلمون عنهم شيئاً إلا دخولهم أبواب المساجد
وهذا باب من أبواب التدليس والغش في الشهادة، ورسول الله e
يقول: (من غشنا فليس منا والمكر والخِداع في النار)([6]).
قال محمد القيرواني (رحمه الله):
(حُدِثتُ أن أبا سنان زيدَ بن سنان –الفقيه- شهد عند أحمد بن أبي مُحرز -القاضي-
بشهادة، فردَّ شهادته وقال: إنما رَدَدْتُ شهادتك لأنك زكيتَ من لا تعرفه، وذلك
أنَّ الأميرَ سألَ أبا سنان عن أحمد فزكاه)([7]).
الإمام أبو داود صاحبُ السنن (رحمه الله) قال: (ابني
كذاب) الإمام المحدث الحجة ابن المديني سُئل عن أبيه فقال: هو الدين: إنه ضعيف)
الشهادة أمانة!!!.
عن عمارة بن خزيمة، أنَّ عمه حدثه –وهو من أصحاب النبي e-
(أن النبي e
ابتاع فرساً من أعرابي، فاسْتتبعه النبي e
لِيقضِيَه ثمنَ فرسه، فأسرع رسول الله e
المشيَ وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابيَّ فيساومونه بالفرس، ولا
يشعرون أن النبي e
ابتاعه، فنادى الأعرابي رسولَ الله e
فقال: أن كنتَ مبتاعاً هذا الفرسّ وإلا بعتُه، فقام النبي e
حين سمع نداء الأعرابي فقال: أوليسَ قد ابتعتُه منك؟ قال الأعرابي: لا والله ما
بِعْتكهَ، فقال النبي e
: بلى، قد ابتعته منك، فطفق الأعرابي يقول: هَلمَّ شهيداً! فقال خزيمة بن ثابت t
أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي e
على خزيمة فقال: بمَ تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل النبي e
شهادة خزيمة شهادة رجلين)([8]).
ذكر التاريخ أن رجلاً مدح رجلاً آخر في وجهه –وكان الممدوح رجلاً
عاقلاً- فقال: لما مدحتني([9])؟ أجربتني عند الغضب فوجدتني حليماً؟ قال: لا، قال: في أجربتني في
السفر فوجدتني حسنَ الخلق؟ قال: لا، قال: أجربتني عند الأمانة فوجدتني أميناً؟
قال: لا، قال: لا يحِل لأحدٍ أن يمدح آخر ويُزكِيهُ ما لم يجرّبْه في هذه الأشياء.
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( قال تعالى: يايها الذين
امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) ([10]).
الخطبة الثانية
بعد الذي قدمتُ من أمر الشهادة في تزكية الناس أقول: لا بد من وجود
بعض القواعد المهمة التي يُبنى عليها صرحُ العائلة المستقرة. أما في الرجال:
فالحديث الفصل في ذلك... (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)([11]). قال رجل للحسن البصري (رحمه الله): (إن لي
بُنية وإنا تُخطب فمِمَن أزوجها؟ قال: زوجها ممن يتق الله فإن أحبها أكرمها وإن
كرهها لم يظلمها)([12]).
وفي نظري أجدُ أن خلق الحياء، وبر الوالدين إذا حازهما الشاب مع خلوِّ
نفسه من الكِبر والكذب والشح، كان موضعاً للثقة به، وأما البنت: فمعَ دينها إذا
حازت خلقَ الحياء فقد تسربلت بلباس التقوى التي يبنى على أساسها البيتُ السعيدُ
والنسب لا يُنسى.
وقلما يجتمع الجمال الفائق وصفاتُ الأنوثة في الفتاة لكثرة تعرضها
للفتن، وقد شاور رجل حكيماً في التزويج فقال له: أفعل وإياك والجمال الفائق فإنه
مرعى أنيق. فقال: ما نهيتني إلا عما أطلب، فقال: أما سمعتَ قولَ القائل:
ولن تصادف مرعىً مُمرعاً
أبداً
الفضيلة والصورة الجميلة قلما تجتمعان، قال أحد الدعاة: لا تتزوج
الجاهلة ولا واسعة الثقافة، فالجاهلة بلاء، وواسعة الثقافة شقاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق