الشباب ودورهُم في حياة الأمة
ذكر السفير المصري فتحي الجويلي في كتابه [حكايات دبلوماسية) قال:
(تلقيتُ دعوة من صديق بلجيكي وزوجتهِ لحفلة عائلية وكان لهما ولدٌ وبنت في سِن
المراهقة، ونظراً لغموض الدعوة وكوني حديثَ عهد بالحياة الأوربية اشتريتُ باقةَ
ورد، وجاء الموعد واشتمل الحفل على عشاءٍ فاخِر، ولفتَ نظري أن ابنة صديقي كانت
على غاية البَهجة والأناقة على غير ما تعودتُ أن أراها من قبل، وقرْبَ انتهاء
الحفل احتضن صديقي وزوجته ابنتهما [شيري 18 سنة] وأعلنا أنها بهذه المناسبة ستمارس
حَقها وستنتقِلُ إلى مسكنها الخاص الذي استأجرته لتعيش بمفردها معتمدةً على نفسها
وبكامل حريتها، وهنا صَفقَّ المدعوون واقبلوا على شيري لتهنئتها على طريقة العِناق
والقبلات على وجهها)([4]).
قلتُ في نفسي: الحمدلله على نعمة الإسلام التي شرفنا الله بها وشَرّف
شبابنا، إذ هم –وبالمقاييس العامة ومع هذه الظروف- من خِيرة شباب العالم العربي مع
هَناتٍ لا يسلم منها مجتمع.
قال بيل كلنتون: (... إننا نحتاج إلى جميع جهودنا لإبعاد مراهقينا عن
العنف والمخدرات، وإن الأفلام التي نراها إنما هي تعابير عن انحطاط الإنسان الفكري
واللاأخلاقي، إن لدينا مليون مراهقة تُصبِح حَامِلاً كل عام، إنه عيب وإثم).
سؤال: كيف نحتوي شبابنا؟!
إن أولى خَطوات التربية حُسنُ الابتداء، قال إبراهيم بن محمد نصر آباذي: (ما ضل أحدٌ –في هذا
الطريق- إلا بفساد الابتداء) فإذا كان الابتداء صحيحاً وعَرَفَ الشاب ربه ودينه،
كان ذلك أحسن الأسس لما يُستقبَل.
والخَطوَة الثانية: تعريف الشباب بشرف آبائهم، وقد كان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي
وقاص t
يقول: (كان أبي يُعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني إنها شرف آبائكم فلا
تضيعوا ذِكرها)([5]).
صدق من قال:
إذا بلغ الفتى عشرين حولاً ولم يفخر فليس له فخارُ
الخَطوَة الثالثة: صحبة
صالحة للرجال منها نصيب. حَبْرُ الأمة ابن عباس (رضي الله عنهما) حمل من
أهل العِلم ما لم يحمله آخرون: (كان من جلساء أشياخ بدر في مجلس عمر t).
الخَطوَة الرابعة: منح بعض
الثقة، والحرية المنضبطة بضوابط الشريعة لبناء شخصية مُتنزنة خالية من العُقد والأمراض
النفسية –وهذه خَطوَة مهمة جداً- جاء في كتاب جنة الشوك (لـ طه حسين) ما يأتي:
(قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: علمني كلماتٍ أتجه بهنَّ إلى الله، قال الشيخ:
سل الله –يا بني- أن يعصمك من صِغر النفس)([6]).
إن إهمال الشباب، واحتقار قدراتِهم تحطيمٌ لمعاني الرجولة فيهم، ويكفي
أن يُقال: إن جيشاً فيه شيوخ صحابة رسول الله e يؤمَرُ عليهم أسامة بن زيد t
بأمر رسول الله e،
فيه بلاغ لأهمية شباب الأمة، كمصدر قوة وإبداع.
إن التشجيع وإعطاء قيمة للشباب زخمٌ نفسي يكسر الحواجز. (أين خالد، ما
مِثلُ خالد جهل الإسلام) كلامٌ نُقِلَ إلى خالد بن الوليد من فم نبينا e
كسرَ حاجز الخوف من الإسلام فأسلم خالد t ومثلها قيلت لعمر بن العاص t
فآمن (ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض إلا أميراً)([7]).
الخطوة الخامسة: إعطاء
مساحة من الرحمة للجانب العاطفي في التعامل، قال الدكتور سلمان بن فهد العودة: (من
خِلال تجربة شخصية لعدد من الأسر التي تتمتع بهدوء ولطف في معاملة أولادهم وبناتهم
وجدتُ شبابهم أكثرَ استقامة وأبعد عن الانحراف من الأسر التي تقوم على القسوة،
وفرض الرأي).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى : (( فبما رحمة من
الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم
وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ))
([8]).
الخطبة الثانية
علاجُ مشاكل الشباب لا ينجحُ إلا عن طريق اللطف والرحمة والكلمة
الطيبة الهادئة وهذا منهج النبوة المُبارك.
قال خوات بن جبيرt :
(نزلنا مع رسول الله e
مَرَّ الظهرَان، قال: فخرجتُ من خبائي فإذا أنا بنسوةٍ يتحدثنَّ فأعجبنني، فرجعتُ
فاستخرجتُ عيبتي([9]) فاستخرجتُ منها حُلة فلبستُها وجئتُ فجلستُ معهنَّ وخرج رسول الله e
من قُبتِه فقال: يا أبا عبدالله! ما يُجلسك معهنّ؟ فلما رأيتُ رسول الله e
هِبتهُ واختلطتُ، قلتُ: يا رسول الله! جمل لي شَرَدْ فأنا ابتغي له قيداً، فمضى
واتبَعْتهُ، فألقى إلي رداءه ودخل في الاراك([10])،
فقضى حاجته وتوضأ، وأقبل والماء يقطر من لحيته على صدره، فقال: يا أبا عبدالله ما
فعل شرادُ جَمَلِك؟ ثم ارتحلنا، فجعَل لا يلحقني في المسير إلا قال: السلام عليك
يا أبا عبدالله ما فعلَ شرادُ ذلك الجمل؟ فلما رأيتُ ذلك تعجلتُ إلى المدينة
واجتنبتُ المسجد والمُجالسة إلى النبي e فلما طَالَ تحينتُ ساعة خلوة المسجد فأتيتُ
المسجد فقمتُ أصلي وخرج رسول الله من بعض حُجره فجأةً فصلى ركعتين خفيفتين، فطولتُ
رجاء أن يذهب ويَدَعني فقال: طول يا أبا عبدالله ما شئت أن تُطول، فلستُ قائماً
حتى تنصرف، فقلتُ في نفسي: والله لأعتذرنَّ إلى رسول الله e ولأبِّرئَنَّ صدره، فلما قال: السلام عليك أبا
عبدالله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟ فقلتُ: والذي بعثك بالحق، ما شرد ذلك الجمل منذ
أسلم، فقال: رحمك الله ثلاثاً لم يَعُدْ لشيء مما كان)([11]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق