الفحش في الكلام ليس من الإسلام
عن جابر بن سَمُرة t قال: (كنتُ في مجلس فيه النبي e وسَمُرة
وأبو أمامة t
فقال: إن الفحشَ والتفحشَ ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم
خلقاً)([2]).
الفحشُ في الكلام عادة سيئة جداً - في بعض الناس- لازمة لهم في بيوتهم
وأسواقهم وحتى في مساجدهم، لا ينفكون عنها عند أي غضبٍ يعتريهم، وربما تكلموا
بفاحش القول بلا موجب لذلك، ورسول الله e يقول: (إن شرَّ الناس منزلة عند الله يوم
القيامة مَنْ تركه الناس اتقاءَ فحشه)([3]).
روى القاضي عياض (رحمه
الله) في كتابه([5]) ما يأتي: (أفتى الإمام مالك (رحمه الله)
لبعض الشعراء بما لا يوافقه، فقال –أي شاعر- : يا أبا عبد الله! أتظنُ الأمير لم
يكن يعرف هذا القضاء الذي قضيته؟ بلى، وإنما أرسلنا إليك لتصلح بيننا فلم تفعل،
بالله لأقطِعنَّ جلدك هجاءً. فقال له مالك: يا هذا! أتدري ما وصفت به نفسك؟ وصفتها
بالسَفه والدناءة وهما اللذان لا يعجز عنهما أحد فإن استطعت فأتِ غيرهما مما تنقطع
دونه الرقاب من الكرم والمروءة).
قال ابن عباس t: (إن الله حيي كريم يعفو ويَكنو([6]) كنى باللمس عن الجماع فقال: (( ... أو لامستم النساء ...)) ([7]) وقال: (( وهو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها
زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا ...)) ([8]). وهذا رسول الله e (لم يكن فاحشاً ولا
مُتفحِشاً...)([9]).
قال نصر بن يحيى (رحمه الله): (من شَتم أهله ومماليكه كثيراً لا تقبل شهادته
وكذا الشتام للحيوان وكانوا يَرَون ذلك من مُسقِطاتِ المروءة)([10]).
وقد ذكرت في سالف الأيام ما حكاه الإمام السبكي (رحمه الله) قال: (كنتُ جالساً في دِهليز دارنا فأقبل كلب،
فقلتُ: اخسأ كلب بن كلب، قال: فزجرني والدي من داخل البيت، قلتُ: سبحان الله! أليس
هو كلب ابن كلب؟ قال: شرط الجواز عدم قصد التحقير. قلتُ: وهذه فائدة)([11]).
عن طلحة بن عُمَير قال: قلتُ لعطاء بن أبي رباح (رحمه الله): (إنك رجل تجتمع عندك أناس ذوو أهواءٍ مختلفة،
وأنا رجل فيَّ حِدةٌ، أقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، إذ يقول الله
تعالى: (( ... وقولوا للناس حسنا ...)) ([12])([13]).
عن شريح بن هانئ (رحمه الله) قال: حدثني هانئ بن يزيد: (أنه لما وفد إلى
النبي e
مع قومه، فسمعهم النبي e وهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه النبي e
فقال (إن الله هو الحَكم وإليه الحُكمُ فلِمَ تكنيتَ بأبي الحكم؟) قال: لا([14]) ولكنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الطرفين،
قال: ما أحسن هذا، ثم قال: ما لك من الولد؟ قلت: لي شريح، وعبد الله ومسلم، قال:
فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح (ودعا له ولولده) ولما حضر رجوعُه إلى
بلاده أتى النبي e
فقال: أخبرني بأيِّ شيء يوجب لي الجنة؟ قال: عليك بحسن الكلام وبذل الطعام)([15]).
الخطبة الثانية
أمامكم أيام مُباركة
للدعاء –الذي هو أفضل العبادات- ورسول الله e
يقول: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة
لا يشقى بعدها أبداً)([17]).
ومن ذلك ليلة القدر
المباركة، ولا يُنسى يومُ الجمعة المُبارك الذي قال فيه رسول الله e:
(عُرضت علي الأيام، فعُرضَ عليَّ فيها يومُ الجمعة، فإذا هي كمرآةٍ بيضاء، وإذا في
وسَطها نكتة سوداء، فقلتُ: ما هذه؟ قيل الساعة)([18]).
عن أبي هريرة t
قال: أتيتُ الطور([19]) فوجدتُ ثمَّ([20]) كعباً، فمكثتُ أنا وهو يوماً أحدثه عن رسول الله e
ويُحدثني عن التوراة، فقلت له: قال رسول الله e: (خير يوم طلعت عليه الشمس يومُ الجمعة، فيه
خلق آدم وفيه اهبط، وفيه تِيبَ عليه، وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا
وهي مصيخة([21]) يومَ الجمعة من حين تُصبِح حتى تطلعَ الشمس شفقاً من الساعة إلا ابن
آدم – وفي رواية- (إلا الجن والإنس) وفيه ساعةٌ لا يُصادفها مؤمن –وهو يصلي- يسأل
الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه) فقال كعب: ذلك يوم في كل سنة فقلتُ: بل هي في كل
جمعة، فقرأ كعب التوراة، ثم قال: صدق رسول الله هو في كل جمعة، فخرجت... فلقيتُ
عبدَ الله بن سلام t
فقلتُ: لو رأيتني خرجتُ إلى الطور فلقيتُ كعباً فمكثتُ أنا وهو يوماً أحدثه عن
رسول الله e
ويحدثني عن التوراة فقلتُ له:
قال رسول الله e: (...وذكرت الحديث([22])) قال كعب: ذلك يوم في كل سنة، فقال: عبد الله بن سلام: كذبَ كعب؟
قلتُ: ثم قرأ كعب فقال: صدق رسول الله هو في كل جمعة، فقال عبد الله: صدق كعب، إني
لأعلم تلك الساعة، فقلتُ([23]): يا أخي! حدثني بها، قال: هي آخر ساعة من يوم الجمعة قبل أن تغيب
الشمس، فقلتُ: أليسَ قد سمعتَ رسولَ الله e يقول: (لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة)؟ وليستْ
تلك ساعة صلاةٍ؟ قال: أليسَ قد سمعتَ رسول الله e يقول: (من صلى وجلس ينتظر الصلاة لم يزل في
صلاته حتى تأتيه الصلاةُ التي تلاقيها)؟؟؟ قلتُ: بلى، قال: فهو كذلك)([24]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق