حرمة البيوت، أدبٌ وذوق
يقولون: (جنة المؤمن داره) لأن فيها راحته وأمنه وزوجته التي يسكن
إليها، ولا يحل لأحد أن يقتحم هذا الحرمَ الآمن إلا بإذن ساكنيه لأن ذلك عدوان على
حرمة البيتِ لا يجوز بأي حال من الأحوال، وقد أدب الله U عباده المؤمنين بأدب رفيع في قوله تعالى: (( يأيها
الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير
لكم لعلكم تذكرون )) ([2]).
وأعطى خصوصية في
الأدب مع نبينا e
فقال: (( يأيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير
ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن
ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق ... )) ([3]).
قال الإمام القرطبي (رحمه الله): (هذا أدبٌ أدبَ
الله تعالى به الثقلاء). قال الثعلبي: (حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يتحملهم).
وجاءت امرأة إلى
الإمام أحمد (رحمه الله) لتسأله عن شيء من أمور الدين، ودقت عليه الباب
دقاً فيه بعض العنف فخرج وهو يقول: هذا دَقُّ الشُرَط).
وقد فهم الشيخ المفسر
المحدث اللغوي أبو عبيدالله القاسم بن سلام (رحمه الله رحمة
واسعة) من قوله تعالى: (( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم
والله غفور رحيم )) ([6]).
فهماً خاصاً فقال: ما استأذنتُ على محدث كنت أنتظره حتى يخرج إليَّ، وتأولتُ قوله
تعالى: (( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ... )) ([7]).
ومن حرمة البيوت ما
جاء عن عبدالله بن بُسْر t قال: (كان رسول الله e إذا جاء الباب يستأذن، لم يستقبله يقول: يمشي
مع الحائط حتى يستأذن فيؤذن له، أو ينصرف)([8]).
قال أنس بن مالك t : (كان النبي e قائماً يُصلي، فاطلع رجل في بيته من خلل، فألقم
عينه خصاصة الباب في حجرة النبي e فأخذ سهماً من كنانته فسَدَّد نحو عينيه ليفقأ
عينه فأخرج الرجل رأسه – وفي رواية- فانقمع الأعرابي فذهب، فقال e:
أما أنك لو ثبَتَّ لفقأتُ عينك)([9]).
ومن حرمة البيوت دخولها دخول الأمن والإيناس، قال أنس بن مالك t
: قال لي رسول الله e:
(يا بني إذا دخلتَ على أهلك فسَلم فيكون بركة عليك وعلى أهل بيتك)([10]).
كان من كلام أحد العلماء: (لا تدخل بيتك دخول المتخون الفاحص إنما
دخول دخولَ المستأنس).
قال عبدالله بن الإمام أحمد (رحمه الله): (كان
أبي إذا دخل البيت يضربُ برجله قبل أن يدخل الدار يُسْمِعُ ضربُ نعله وربما تنحنحَ
ليُعلِم مَنْ في الدار بدخوله).
قال التابعي موسى بن طلحة بن عبيدالله (رضي الله عنهم): (دخلتُ
مع أبي على أمي فدخل واتبعته فالتفت فدفع في صدري حتى أقعدني على الأرض وقال:
أتدخل بغير إذن؟).
وما دامت وسائل الاتصال موجودة فمن الأفضل أن يُسأل صاحب البيت إن كان
لديه وقت للزيارة أو حال تسمح بذلك، وقد استأذن الخليفة العباسي المهدي على الإمام
مالك فلم يأذن له في الحال، وإنما استمهله ثم أذن له، فلما دخل المهدي البيت إعتذر
له الإمام مالك قائلاً: يا أمير المؤمنين :إن العيال سمعوا لمجيئك فأحبوا أن
يصلحوا منزلهم.
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوها
حتى يؤذن لكم وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكى لكم والله بما تعملون عليم ))([11]).
الخطبة الثانية
أما
حرمة البيوت الأخلاقية فشأنها عظيم جداً. قال محمد الخراساني: (نزل عندنا بجارة
الخراسانيين([12]) شابٌّ حسن الوجه
فصيحُ اللسان حافظ للقرآن والسُّنة من أهل بلخ، فجَلَّ([13]) في قلوبنا فأمَّنا
في مسجدنا، وتوزعنا ما نكفيه من أموالنا فكنا نجلس عنده في المسجد كلَّ عَشيةٍ
فإنا لجلوسٌ معه يوماً إذ طلع علينا كهل من الخراسانية، وفي يده خنجر مشهور، فلما
رآه إمامُنا قام هارباً فعدا خلفه، فلم يزل يتوجَّؤه بخنجره حتى قتله، فقبضنا
عليه، فرفعنا بأجْمَعِنا إلى أحمد بن طولون، فقال: ما الذي حملك على ما أتيتَ؟
فقال: أعزَّ الله الأمير: كان هذا الرجل جاري ببخارى وكان حسن المجاورة ظاهر
الستر، فألفته فدخلتُ يوماً من الأيام إلى منزلي على حين غفلة من أهلي فوجدته
مفترشاً([14]) زوجتي ففزعتُ إلى
السيف فهرَبَ فعدتُ إلى المرأة فقتلتها فأحضرني أهلها إلى السلطان فأطلقني وأمرني
بطلب هذا الفاجر وقتله، فخرجتُ خلفه إلى أن بلغتُ مِصرَ فعرفتُ أن يُصلي في
المسجد، فأخذتُ بطائلتي وشفيتُ نفسي([15])، قال الراوي:
فسَألنا أحمد بن طولون عن المقتول لما رآه! ما الذي عمل؟ قلنا: لما نظر إليه قام
يعدو هارباً منه، فقال له أحمد بن طولون: كثر الله في الناس مثلك، انصرف مكلوءاً([16]) فوّدعنا وخرج إلى
بلده)([17]).
تعليق:
1-
التدخين في بيوت
الناس لا يجوز إلا بإذنهم.
2-
أحسن أوقات الزيارة
[عصراً].
3-
لا تكون الزيارة في
أوقات الطعام أو الراحة.
4-
لا تصح المكالمات
الليلية المتأخرة.
5-
لا تصح الزيارات بعد
منتصف الليل.
6-
لا تصح الزيارات
المحلة [زد غباً تزدد حباً].
7-
عدم جلب الأولاد في
الدعوات الخاصة.
8-
دخول الناس إلى
المطبخ بعد استئذان الأطفال خطأ فاحش!
9-
عدم مواجهة باب البيت
عند إخراج الجنازة. وعدم المبيت والبقاء في بيوت الناس أيام الضراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق