السؤال عما وراءه سوء عاقبة، وعما لا يعنينا
قال أنس بن مالك t
: (خرج علينا رسول الله e ذات يوم - ونحن نرى أن معه جبريل u - حتى صَعِدَ المِنبر، فما
رأيتُ يوماً أكثر باكياً مُتقنِعَاً([2]) فقال سلوني!، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به، فقام رجل
فقال: يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك حذافة الذي تُدْعَى له، -وفي رواية- أين
أبي؟ فقال: في النار، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله! أعلينا حجٌ في كل عام؟
فقال: لو قلتُ: نعم لوجبت، ولو وجبت لم تقوموا بها ولو لم تقوموا بها عُذِبتُم،
فقال عمر t:
رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبينا، ولا تفضحنا بسرائرنا وأعف عنا
عفا الله عنك، قال: فسُرّيَ عنه...)([3]).
من علامات ضَعف العقل عند بعض الناس – عفا الله عنا وعنهم- كثرةُ
سؤالهم عما لا فائدة فيه، ولا طائل تحته، وعما وراءه سوء عاقبةٍ وفضيحة خاصة إذا
كان هذا السؤال متعلقاً بقضايا العِرض وقد أحاط دينُنا الحنيف حِمَى بناتنا
ونسائنا بما لا مزيد عليه لوافر الحِرمة فيهم، والذين يتجاوزون هذا الحِصن الحصين،
إنما يُعرضون حياتهم الأخلاقية لفضائح وراءها أسوءُ العواقب.
قال أحدهم: (رأيتُ من زوجتي ما جعلني أشكُ في عِفتها وذلك بعد زواج
دامَ ستَّ سنوات ولأن الشكَّ عذاب، أحببتُ أن أريحَ نفسي وأتأكدَ من خيانتها
فضربتها ضرباً مُبرّحاً وعذبتها عذاباً لا يوصف حتى اعترفتْ باقتراف جريمة الزنى
مع شخص أعرفه، ولولا خوفي على طِفليَّ الصغيرين لقتلتُها، أرجو أن ترشدني إلى ما
يمكن عَمَلهُ؟!! كان هذا الكلام موجهاً إلى أحد المفتين فأجابه بما يأتي: قال: (ما
الذي يجعلك تطمئن على صدق اعترافها تحت وطأة العذاب؟ وهل نجوتَ من عذاب الشك؟ لقد
ارتكبتَ إثماً هو من أكبر الكبائر ولعل زوجتك – على فرض كونها زانية- أقلُّ منك
إثماً وأهون ذنباً، إتقِ الله في ضعيفة مَلكَكَ الله أمرها وأعلم أنَّ كلَّ جبار
فوقه جبار السماوات، ودعوة المظلوم لا تُرد، فإما أن تتوب وتُكفِّرَ عن الإساءة
بالإحسان، وإما أن تُطلِقَ بإحسان، ولا تُطع في إيذائها هوى النفس والشيطان، ومن
عاد فينتقم الله منه، (( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .. ))([4]).)([5]).
قديماً قالوا: (لا تُبدِ من العيوب ما ستره علام الغيوب) وقلما
ابتُليَ عبدٌ بهذا الخلق إلا وابتُليَ معه بخُلق آخر أكثر سوءاً منه، هو كثرة
الكلام فيما لا يعنيه، ونبينا e قال: (من حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)([6]).
لما تزوج سلمان الفارسي t وأصبح جاء أصحابه،
فانتحاه([7]) رجل من القوم فقال: كيف وجدتَ امرأتك؟ فأعرض
عنه، ثم الثاني ثم الثالث، فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم وقال: رحمكم الله!
فيمَ المسألة عما غَيَّبتْ الجدران والحجب والأستار؟ بحسبِ امرئ أن يسأل عما ظهر،
إن أخبِر أو لم يُخبَر)([8]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: ((
ولولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ))([9]).
الخطبة الثانية
قال أبو اسحق إبراهيم بن أحمد المروزي (رحمه الله): (كان
لي جار ببغداد، وكان له ابنٌ يَضْرِبُ إلى السَوَاد، قال: فأتاني فقال: عزمت على
الحج وأكثر قصدي أن استصحِبَ ابني وأريَهُ بعض أهل القِيافة([10]) فنهيته وقلتُ: لعلَّ القائِفَ يقول ما تكره، وليس لك ابنٌ غيره، فلم
ينته وخرج فلما رجع قال لي [إني] استحضرتُ مُدلِجيّاً([11]) وأمرتُ بعَرْضِهِ عليه في عدد من الرجال وكان منهم الذي أرى بأنه منه
–وكان معنا في الرفقة- فنظر القائفُ فلم يلحقه بأحدٍ منهم، وقيلَ لي احضر فلعله
يلحقه بك، فأقبلتُ على ناقة يقودها عبدٌ لي أسود كبير السن، فلما وقع بصرُه علينا
قال: الله أكبر! الراكب أبو هذا الغلام، والقائد الأسود أبو الراكب، فغُشِيَ
عليَّ، فلما رجعتُ على والدتي، قالت: إن أبي طلقها ثلاثاً ثم ندِم فأمرَ هذا العبد
الأسود بنكاحها للتحليل فقط، فعلِقتْ منه –وكان ذا مال كثير- وليس له ولد فاسْتلحَقه([12]) ونكحني مرة ثانية)([13]).
لا شيء أفضل من السِتر في قضايا العِرض، قال أبو الحسين بن عياش
القاضي (رحمه الله): (دخل أبو عبدالله أحمد المَروزي –وكان له منزلة واختصاص بالوزير
عبيدِ الله بن سليمان([14])- دخل داره فوجد مع ابنته رجلاً ليس لها بمحرم فقبض عليه، وعمل على
ضربه بالسِياط، فأشِيرَ عليه أن لا يفعل وقيل له: إن في ذلك هتكاً لابنتِكَ ولكَ،
فَأطْلِقِ الرجل وقَيد المرأة وأحفظها فلم يقبل، واستدعى صاحب الشرطة فضربَ الرجلَ
بالسياط على باب داره فأنشأ الرجل يقول وهو يُضربْ:
لها مثلُ ذنبي اليوم إن كنتُ مذنباً
ولا
ذنبَ لي إن كان ليس لها ذنبُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق