خيانة الأمة وعدم النزاهة في العمل
كتب السفير الأمريكي –في الهند- جون كينيث ما يأتي: (سألتُ [اميلي
ويلسون] –مديرة شؤون منزلي- أن تحجِبَ عني جميع المكالمات الهاتفية خلال قيلولةٍ
قصيرة، وبعد قليلٍ رنَّ الهاتف على الخط يقول: (لندون جونسون يتكلم من البيت
الأبيض) قال لها نادي كينيث!([4]) فأجابت: أنه نائم يا سيدي الرئيس، وقد طلب مني عدم إزعاجه، فقال
لندون جونسون: قلتُ لك أيقظيه فإني أريد أن أكلمِّهُ، فقالت: المعذرة يا سيدي
الرئيس! إنني أعمل عنده لا عندك، قال السفير كينيث: وعندما استيقظتُ،
وخبَّرْتُ الرئيس لم يتمالك مشاعرَه بل مضى يقول: أخبر تلك المرأة أني أريدها هنا
في البيت الأبيض)([5]).
أقول: قال أحد الدعاة: (إن الذين يُفرطون بشرف بلادهم وحقوق أمتهم –ويخونون
أماناتهم في العمل- تكون بناتُ الهوى أحسنَ حالاً منهم لأن فيهن من يُلجئهن الجوع
لبيع شرفهن، وأولئك يلجئهم التهالك على الجاه، والمال الزائل)([6]).
أينما ألتفت في هذا البلد أجد جذور خيانة في الأعمال والأقوال، قاتلكم
الله! أما تمشون بين القبور!!!.
كان نوري سعيد في بيروت متوجهاً إلى بغداد حاملاً سلة فيها (نوم حامض)
وعند نزوله مطار المثنى اعترض موظف الجمارك على سلة النوم، فتقدم إليه شرطي وقال
له: هذه تعود للباشا فأجاب موظف الكمرك: لا بد من حرقها حسب تعليمات مديرية
الزراعة لوجود المَنِّ الدقيقي في أشجارها فتدخل الباشا بنفسه وأخبر الموظف أن سوف
ينقل السلة بما فيها إلى بيته ويحرق جميع مخلفاتها من بذور وقشور والسلة كذلك، فلم
يقبل موظف الكمارك وأمر بحرق السلة بما فيها).
حكى لي أحد الأساتذة: قال في عام 1966- 1967م رأيتُ الدكتور محمود
الجليلي (رحمه الله) يقف أمام قسم علوم الحياة يقيس جداراً، وبعد يومين هُدِمَ هذا الجدار
وتبين أنه رَفضَ التوقيع على استلامه لأنه أقصر من المطلوب ب 2 سنتمتر).
أيلي كوهين([7]) رجل المخابرات الإسرائيلي قال: (دخلت سوريا ومعي أجهزة اللاسلكي
وحاولت أن أتجاوز الكمرك بعدما هبطت الطائرة في مطار دمشق، فاستوقفني رجال الكمرك
وأرادوا أن يفتشوا ما معي فأعطيتهم المال الكثير، فتجاوزوني، ثم يقول: وذهبتُ إلى
إيطاليا بعد ذلك واشتريتُ بعض لعب الأطفال، ولما حاولتُ الدخول إلى بلدي إسرائيل –وأنا
أعمل لحسابهم- لم يوافقوا على إعفائي من دفع الغرامة الكمركية على لعب الأطفال،
قلتُ: (والكلام له): (يا عجباً! دولة أدخل فيها لأخربَها فتعفوا عني، ودولة أدخل
لأخدمها فتأخذ مني المال على لعب الأطفال!!) هذا هو الفرق بينهم وبين بني جلدتنا
الذين يخونون أمتنا مقابل عرضٍ زائل يُتركُ عند الموت.
قال الدكتور هاشم يماني –وزير التجارة والصناعة في إحدى الدول
العربية- وقد سُئِل عن بداية حياته العملية: (كان كلُّ همي أن أكون أميناً في عملي
متقناً له حتى لو اضطررتُ أن أعمل كناساً في الشارع سأكون أفضل كناس في المملكة)([8]).
حكى علي فكري: (أنَّ أحد الجهال عَيّرَ أحد العلماء والأدباء بأخيه
قائلاً له: ألم تعلم أن أخاك كان خادماً عند أبي؟ قال: نعم، ولكنه حفظ ماله وشرفه
وسمعته، أما أنتَ فلم تحفظ ثروته ولا كرماته فأيُّكما أفضل فأخجله وأسكته)([9]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ... من يعمل سوءا يجز به ولا
يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ))([10]).
الخطبة الثانية
عندما أصبح سعيد قزاز (رحمه الله) وزيراً
للداخلية أرسل إليه حسن توحلة هدية مقدارها ثمانون ديناراً –على ما ذكر لي أحد
الأخوة([11])- فردها بطيب خاطر، وكان من كلامه: من أينَ أرُدُّ لكم مثلها وأنا لا
أملك إلا الراتب، وكان يتقن اللغة العربية، والكردية والتركية والانكليزية وكان
بعد الثورة المشؤومة عام 1958 قد اشترى سيارة بالأقساط فقال له مدير شرطة النقليات
يا أستاذ! عندنا أرقام صغيرة للمسؤولين، قال: أين وصلت الأرقام؟ قال: وصلت 50
ألفاً، قال: سجل رقم السيارة بأول رقم بعد هذا، وكان من كلامه في المحكمة: (أنني
افتخر بكل الأمور التي قمتُ بها لأنها كانت تخدم ديني ووطني).
حكى لي أحد الأخوة([12]) قال: (شاركتُ بدورة تدريبية في الباكستان، وعند إجراء الامتحان النهائي
للدورة خرج الضباط المشرفون علينا، وتركونا لوحدنا داخل قاعة الامتحان، وكنا آنذاك
واحداً وعشرين ضابطاً، وأنا الوحيد من العراق، فقلتُ للضابط الذي يمتحن بقربي أين
المراقبين؟ مضى أكثر من ساعة ولم يعودوا للقاعة، قالي لي: نحن نمتحن بلا مراقبين،
قلتُ: إذن من الذي يراقبكم؟ قال: الله هو الذي يراقبنا، فخجلتُ من نفسي وقلت –في
حينها- نحن العرب المسلمون لا نمتحن إلا بمراقبين، والغش قائم من جميع الأطراف).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق