28‏/5‏/2013

الغضب وخطورته


الغضب وخطورته

قال تعالى: (( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا غضبوا هم يغفرون ))([1]).
ذكرت السيرة النبوية: (أن رجلاً قال للنبي: أخبرني بكلمات أعيش بهنَّ ولا تكثر علي فأنسى، قال: اجتنب الغضب، ثم أعاد عليه، فقال: اجتنب الغضب، ففكرت حين قال رسول الله e ما قاله، فإذا الغضب يجمع الشر كله)([2]).
ومن كلامه e: (ما من جرعة أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله عز وجل)([3]) المجتمع العراقي اليوم، هو مجتمع غضب، ولهب، وتعب، وما لم يكن كلام نبينا – الذي مر آنفا – نصب أعيننا، فإن عوادي([4]) الدهر لنا بالمرصاد، فكيف إذا كانت درجه حرارة هذا البلد نصف درجة الغليان).
في إحدى قرى صعيد مصر كان مع أحد الصبيان كوز (ذرة)([5]) فخطفه زميل له وأخفاه في حظيرة الماشية بالمنزل فأكلته، وأبدى صاحب الكوز استعداده أن يرضي الصبي الآخر، فأبى والد صاحب الكوز، حالفاً بالطلاق أنه يريد الكوز نفسه، وما أن اقترب فجر تلك الليلة حتى هجم هو وأصحابه على حظيرة الماشية وذبحوها عن آخرها، وقذفوا لحومها في ساقية مهجورة، ورد الخصوم بمعركة خسروا فيها الأرواح والأموال بسبب كوز ذرة وعارضة غضب)([6]).
وكان ثلاثة شبان يعملون في حقل لهم فرأوا شبحاً أسود يتحرك نحوهم ليلاً، فطلبوا منه الوقوف وصاحوا به – وكان جدْياً أسود – فلم يكترث فأطلقوا رصاصة فأرداه صريعاً، وعبثاً حاولوا إرضاء صاحبه، فكانت معركة انتهت بموت صاحب الجدي وفَقَ أحد الإخوة الثلاثة عينيه([7]).
قال المنفلوطي (رحمه الله): (إن الانتقام لذيذ جداً، ولكنه اللذة التي يعقبها الندم وتأتي على أثرها الحسرات والآلام)([8]).
شركات التأمين العالمية، وإدارات السجون كلها تقول: إن الغضب هو السبب الأول لمعظم جرائم المجتمع.
وقد ذكرت قبل سنتين أن أبا برزة الاسلمي  tقال: (كنا عند أبي بكر الصديق  tفغضب على رجل من المسلمين – قد أغلظ له – فرد علي، فاشتد عليه غضبه جداً، فلما رأيت ذلك، قلت: يا خليفة رسول الله e: اضرب عنقه؟ فلما ذكرت القتل، اضرب عن ذلك الحديث أجمع إلى غير ذلك من النحو، فلما تفرقنا، أرسل إلي فقال، يا أبا برزة إما قلت: ونسيت الذي قلت – قلت: ذكرنيه! قال: أما تذكر ما قلت؟ قلت: لا والله، قال: أرأيت حين رأيتني غضبت على رجل فقلت: أضرب عنقه يا خليفة رسول الله e؟ أما تذكر ذلك؟ أو كنت فاعلاً ذلك؟ قلت: نعم، والله، والآن إن أمرتني فقلت قال: والله، ما هي لأحد بعد محمد رسول الله e ([9]) عن انس بن مالك t مرفوعاً: (من كف غضبه كف الله عنه عذابه)([10]).
هذا وإن خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين () الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) ([11]).
الخطبة الثانية
جاءت العطلة الصيفية، وجاء معها الفراغ، وهو النعمة الكبرى المهدورة، لقوله e: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)([12]). وهو في ذات الوقت باب مفسدة إذا لم يحسب حسابه، وقد قال الإمام الشافعي (رحمه الله): (إذا لم تُشغِل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل) .
حكا لي أحد الأخوة([13]) قال (في سنة 1974 كنت طالباً في مدرسة الفتوة النموذجية([14]) وكانت أنديرا غاندي – رئيسة وزراء الهند – في زيارة رسمية لها إلى العراق، وكان من ضمن برنامج زيارتها، الموصل فأتت إلى مدرسة الفتوة، ودخلت الشعبة التي كنت فيها، وطلبت من التلاميذ أن يرفعوا أيديهم اليسرى فرفعوها، فعدّتها فكانت النسبة المختارة 65% من تلاميذ الصف فلما سألتها المديرة عن ذلك، كتبت في سجل التشريفات (إذا احترمتم أوقاتكم فسوف تحترمون العلم وتتقدمون) وكانت قد أحصت عدد الساعات التي يحملها التلاميذ في أيديهم، وكانت المديرة آنذاك لطفية الجراح.



ذكر التاريخ ( أن الوزير نظام الملك كان بهمذان([15]) وقدم عليه ابنه مؤيد الملك من بلخ فدخل عليه ووقف بين يديه ساعة، فقضى الوزير للناس حوائجهم، فلما تفرق الناس نظر إلى ابنه واستدناه وضمه وقبّله وقال له : يا بني توجه إلى بيتك في بغداد – وكان قد زوجه – فودعه ابنه وقبّل يده، وسار من ساعته، وألتفت نظام الملك إلى من عنده وقد تغرغرت عيناه بالدموع وقال: إن عيش أحد البقالين أصلح من عيشي، يخرج إلى دكانه غدوة ويروح عشية ومعه ما قسم له من الرزق فيجتمع هو وأولاده على طعامه ويسر بقربهم منه وحضورهم معه، وهذا ولدي ما رأيته منذ وُلِد غير أوقات يسيرة... فنهاري بين أخطار وتكلّف ومشاق، وليلي بين سهر وفكر، تارة لتدبير الممالك والبلدان وكيف أرضي هذا السلطان حتى يميل إلي ولا يتغير علي، وبأي أمر أدفع به شر من يقصدني، فمتى يكون لي زمان ألتذ فيه بنعمتي واستدرك أفعالي بما ينفعني عند لقاء ربي وبكى بكاءاً شديداً([16]).


[1] [الشورى:37].
[2] [884/ السلسلة الصحيحة - والزيادة 2746 / ج3 / صحيح الترغيب والترهيب].
[3] [2752/ ج3/ صحيح الترغيب].
[4] [عوائقه وبلاياه].
[5] [نبات حبّي يؤكل].
[6] [ص34/ مجلة الاثنين/ عدد 686/ 1947م].
[7] [ص35/ المصدر السابق].
[8] [ص57/ كلمات المنفلوطي/ د. جبرائيل سليمان]
 [9][4077/ صحيح سنن النسائي - ج1 مسند احمد - 79 ج1 مسند أبي ميك/ ص82].
[10] [2260/ ج5/ السلسلة الصحيحة].
[11] [آل عمران:133- 134].
[12] [بخاري 196/11].
[13] [صاحب نقليات قرب المحافظة].
[14] [الفتوة المختلطة في الموصل].
[15] [بلدة جنوب إيران].
[16] [ص321/ ج4/ طبقات الشافعي].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق