29‏/5‏/2013

أقدار الناس

أقدار الناس
 
قال عز وجل : (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ... )) ([1]).
من كلام نبيناe  (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، و يرحم صغيرنا، ويعَرْفِ لعالِمنا([2]))([3]).
لأقدار الناس ومقاماتِهم – الدينية منها خاصة – حُرْمة يجب أن تراعى، واحترامُ الآخرين من ذوي الشَرَفِ والمكانةِ خُلقٌ يجب أن يَتعلمه أولادُنا – وهم صغار – وقد ذكر العلماء إن 80% من أخلاق الطفل تتكون قبل سن الخامسة وأن90% من شخصيته تتكون في سن السابعة. وقد استهان كثير من الناس بمواقع الحرمة، فلا قدر عندهم لشريف ولا لعالم ولا لشيخ كبير، ولا لوالد.
قال حماد بن زيد t( كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ذلك النبيe  فصلى الظهرَ ثم أتاهم لِيُصلِحَ بينهم ثم قال لبلال: يا بلال! إذا حَضَرتْ الصلاةُ ولم آتِ فَمُرْ أبا بكرt فليُصَلِّ بالناس، فلما حَضَرتْ صلاةُ العصر أذن بلالٌ ثم أقام، ثم قال لأبي بكرt تقدّم، فتَقدَّم أبو بكرt فدخل في الصلاة ثم جاء رسول اللهe  فجعل يَشُقُّ الناسَ حتى قام خلف أبي بكرt قال: وصَفحَ([4]) القوم، وكان أبو بكرt إذا دخل في الصلاة لا يلتفتُ، فلما رأى أبو بكرt، التصْفيحَ لا يُمْسَكُ عنه التفت فأومأ إليه رسول الله e، أي أمضِهْ، فلما قال لبث أبو بكرt هنيهة([5]) يحمد اللهَ على قول رسول اللهe  أمضه، ثم مشى أبو بكرt القهْقرى على عَقِبَيه فتأخر. فلما رأى ذلك النبيُّ e تقدم فصلى بالناس، فلما قضى صلاتهُ قال: يا أبا بكرt! ما منعك إذ أومأتُ إليك ألا تكونَ مضيتَ؟ قال: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول اللهe  )([6]).
قال ابن عباس t - وهو غلام – (أتيتُ رسول الله e وهو يصلي من آخر الليل ، فصليتُ خلفه فأخذ بيدي فجَّرني فجعلني حِذاءَهُ([7])، فلما أقبل رسول اللهe  على صلاته خَنَسْتُ، فصلى رسول اللهe  فلما أنصرفَ قال لي: ما شأني أجعلك حذائي فتخنِس؟ فقلتُ: يا رسول الله e! أوينبغي لأحد أن يصلي حِذاءك وأنت رسول الله e الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبه فدعا الله لي أن يزيدَني علماً وفهماً )([8]).
 
بداية الأدب في ماليزيا يُرَبى الطفل على تقبيل أيدي والديه واحترام الكبير، وهذا جزءٌ من التوازن النفسي للشخصية، فللأبوة سابقة، وللعلم سابقة، وللنسب الشريف سابقة وللعمر سابقة.
قال زياد([9]): ( استوصوا بثلاثة منكم خيراً، الشريف والعالم والشيخ، فوالله لا يأتيني شيخ بشاب قد اسْتَخَفَّ به إلا أوجعته، ولا يأتيني عالم بجاهل قد أستخفَّ به إلا  نكّلتُ به، ولا يأتيني شريف بوضيع قد استخفَّ به إلا انتقمتُ له منه فإنما الناسُ بأعلامهم وذوي أسنانهم )([10]).
قال عباد بن محمد البصري (توسع المجالس لثلاثة لحامل القرآن، ولحامل الحديث، ولذي الشيبة في الإسلام)([11]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين:
قال تعالى: (( وضرب الله مثلا رجلين احدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ))([12]).
 
الخطبة الثانية
 
عن أبي شُريح الخزاعي (رحمه الله) قال: (خرج علينا حذيفة بن اليمان t فقال: هل أتاكم الخير؟ قلنا: وما ذاك قال: هلك عثمان t، قلنا: هلكنا والله إذاً، قال: إنكم لن  تهْلِكوا، إنما تهلِكون إذا لم يُعْرَف لذي شيبةٍ شيبته، ولا لذي سن سِنهُ)
 
قال الحسين بن منضور (رحمه الله): (كنت مع يحيى النيسابوري واسحق بن راهويه نعود مريضاً، فلما حاذينا الباب تأخّر أسحق وقال ليحيى : تقدم، فقال يحيى: تقدم أنت، قال: يا أبا زكريا! أنت أكبرُ مني، قال: نعم أنا أكبر منك وأنت أعلم مني فتقدم أسحق بن راهويه رحمه الله)([13]).
 
(أنطلق عبد الرحمن بن سهل ومُحّيصَة وحُوَيّصة ابنا مسعود إلى النبي e فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال (كَبِّر كَبِّر) – وهو أحدث القوم – فَسَكتَ )([14]).
 
قال قيس بن سعد بن عُبادة t: (شَهدتُ المدينة فلما أقِيمتْ الصلاةُ تَقَدَّمتُ فقمتُ في الصف الأول، فخرج عمر بن الخطاب t فشق الصفوف ثم تقدَمَّ وخرج معه رجل خفيفُ اللحية، فنظر في وجوه القوم، فلما رآني دفعني وقام مكاني، وأشتد ذلك عَليّ، فلما أنصرفَ التفتَ ألي فقال: لا يَسُؤك ولا يحزُنكَ أشقُّ عليك – إني سمعتُ رسول الله e يقول (لا يقف في الصف الأول ألا المهاجرون والأنصار فقلتُ: من هذا؟ فقالوا: أبْي بنُ كعب t)([15]).
 
عن علي بن ربيعة (رحمه الله): (انه خرج في أثني عَشَرَ راكباً كلُّهم قد صحب محمداً e، وفيه سلمان الفارسي t - وهم في سفر – فحضَرتْ الصلاة فتدافع القوم، أيَّهم يصلي بهم، فصلى بهم رجل منهم أربعاً، فلما أنصرف قال سلمان t: من هذا؟ مراراً، نصف المربوعة([16])، نحن إلى التخفيف أفقر، فقال له القوم: صلِ بنا يا أبا عبد الله، أنت أحقنا بذلك، فقال: لا أنتم بنوا إسماعيل الأئمة ونحن الوزراء)([17]).


[1] [الزمر: ٩].
[2]  [أي قدْره وشرفه، والقدر: الحرمة والوقار].
[3] [101/ ج1/ صحيح الترغيب والترهيب].
[4]  [أي: صَفَّق].
[5]  [أي: ساعة يسيرة]
[6] [853 صحيح ابن خزيمة]
[7]  [أي: بجانبه].
[8] [724/ صحيح].
[9]  [هو زياد بن أبيه]
[10] [ص75 الإدارة الإسلامية محمد كرد علي].
[11]   [الجامع الخطيب 1/344].
[12] [النحل:76].
[13] [8/171 الجامع/للخطيب/ص249 ترتيب المدارك للقاضي/عياض].
[14]  [متفق عليه].
[15] [3/303 رواه الحاكم وصحيح الذهبي].
[16]  [أي: يجب أن يُصلى بهم نصف الصلاة الرباعية لأنهم في سفر].
[17] [ص281 إرواء الخليل / أقضاء الصراط المستقيم].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق