24‏/5‏/2013

العهود والعقود أمانة يجب الوفاء بها


العهود والعقود أمانة يجب الوفاء بها

                                      تاريخ الخطبة: 13/ جمادى الآخر/ 1433هـ – 4/5/2012م                                            

قال تعالى: (( وأوفوا بالعهد([1])  إن العهد كان مسئولا ))([2]).
قال أنس بن مالك t : (ما خطبنا رسول الله e قال:  لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له)([3]).
عند الرجال للكلمة شرف في مسألة العهود وشرف الكلمة إذا قيلت تصديقها بالفعل، وقد ربى رسول الله e أصحابَه على هذا المنهج مهما كانت التبِعة.
قال حذيفة بنُ اليمان t: (أخذني وأبي المشركونَ يومَ بدر، فأخذوا علينا عهداً أن لا نُعينَ النبي e فذكرنا ذلك للنبي e فقال: فوَا([4]) لهم ونستعين الله عليهم)([5]).
لا يوجد في تاريخ العالم السياسي مثلَ هذا الشرف في عهود الرجال.

روى أبو رافع t قال: (بعثتني قريش إلى رسول الله e فلما رأيت رسولَ الله e ألقِيَ في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني والله لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله e : إني لا أخيسُ([6]) بالعهد، ولا أحبسُ البُرُد([7]) ولكن ارجِعْ، فإن كان الذي في نفسِك الآن فارجع)([8]).
قلما يثق اليوم أحدٌ في بيع أو شِراء أو مفاوضة على أمرٍ ما، فالنكول وقلبُ الحقائق قد صار هو الغالب في عالم المعاملات والاتفاقات حتى السياسية منها.
قال ابن الجوزي (رحمه الله): (حضر عندي رجل ابنُ ثمانين سنة فاشتريت منه دكاناً وعقدتُ معه العَقد، فلما افترقنا غَدر بعد أيام، فاحضرته عند الحاكم فحلف اليمين أنه ما باعني، ورأيتُ من العوام من قد غلبت عليه العادات، واحد يقول: هذا ما قبض الثمن.
وآخر يقول: كيف تأخذ دكانه بغير رضاه.
وآخر يقول: يجب عليك أن تُقيله البيع، فلم أقبل، فأخذ هو وأقاربه يأخذون عرضي ثم سعى بي إلى السلطان إلا أن الله U نجاني من شرهم...)([9]).
قبل ست سنوات قلتُ: ذكرَ حاتم الكرخي في كتابه مجالس الأدب في بغداد قال: (مَرتْ ذات يوم امرأة اسمها [ريمة] بسوق الكرخ فرآها بائع الفاكهة [حمودي] فقال لها: يا ريمة! سمعتُ أنك تريدين أن تبيعي هذا الخان، قالتْ: نعم، بعشرة ألاف مجيدي([10])، قال: اشتريتُ قالتْ: هات عربوناً فأخذ تفاحة ورمى بها إليها وقال: هاكِ العربون، فلحقها تاجر سمع محاورتها، وقال لها: لقد غشكِ حمودي وأنا مستعد لشرائِه بضِعف المبلغ، فالتفتت إليه وقالتْ له: أما أنا فقد بعته وقبضتُ العربون – وأرته التفاحة- وعليكَ أن تراجع صاحب التفاحة لأن الخانَ أصبح مُلكاً له)([11]).
حكى أحدهم([12]) قال: (كان أبي صيرفياً في مدينة العمارة، وكنتُ –وأنا صبي- في دكانه وأرى الناس يقترضون منه، وكان كلما سلم أحدَهَم مالاً أخذ منه ورقة قد طويت بعناية، وكُتِبَ عليها اسمَ صاحبها ثم يضعها في صندوق، فاغتنمتُ ذات يوم مبارحة والدي لدكانه ففتحتُ الصندوق وأخرجتُ إحدى الوريقات وفتحتها فوجدتُ في باطنها شعرةً واحدة، فبهتُّ وأعدتها إلى موضعها، وعادَ والدي فسألته عن ذلك، فقال: يا ولدي هذه الشعرة هي الرهن الذي يقدمه لي هؤلاء، فانا لا أكتب صكاً إنما آخذ شعرة من لحية أحدهم فيؤدي الدين ويستردَّ الشعرة، ولم يضع على والدي دين من هذه الديون فقط)([13]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )) ([14]).
الخطبة الثانية
قال رسول الله e : (إن رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يُسلفه ألفَ دينار، فقال: آئتني بالشهداء أشهِدهم فقال: كفى بالله شهيداً، قال: فآئتني بالكفيل، قال: كفى بالله وكيلاً، قال: صَدقتَ، فدفعها إليه إلى أجلٍ مُسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته ثم ألتمسَ مركباً يركبها يَقدُم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زج([15]) موضعها ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني تسَلفتُ فلاناً ألف دينار، فسألني كفيلاً فقلتُ: كفى بالله وكيلاً، فرضي بكَ وإني جَهدتُ أنْ أجدَ مركباً أبعث إليه الذي له فلم أجد وإني أستودعكها، فرمى بها إلى البحر حتى ولجتْ فيه ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركباً إلى بلده فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعلَّ مركباً قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً فلما نشرها وجدَ المال والصحيفة، ثم قدِمَ الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلتُ جاهداً في طلب مركبٍ لأتيك بمالك فما وجدتُ مركباً قبل الذي أتيتُ فيه، قال: هل كنتَ بعثتَ إليَّ شيئاً؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئتُ فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثتَ في الخشبة، فأنصرفَ بالألف دينار راشداً)([16]).




[1] [الذمة، والأمان، والميثاق].
[2] [الإسراء: ٣٤].
[3] [3004/ صحيح الترغيب والترهيب].
[4] [أوفوا بصيغة المثنى].
[5] [1613/ السلسلة الصحيحة].
[6] [خاسَ: نكث بالعهد وغدر وأخلف].
[7] [البرد: جمع بريد، وهو الرسول من قِبل القوم].
[8] [2075/ السلسلة الصحيحة/ جـ2 702].
[9] [ص231/ صيد الخاطر].
[10] [قطعة فضية قيمتها 20 قرشاً نسبتها إلى عبدالمجيد السلطان العثماني].
[11] [ص414/ المصدر السابق].
[12] [صالح فخوري (رحمه الله)].
[13] [ص19/ جـ4/ موسوعة العذاب لعبود الشالجي].
[14] [النحل:91].
[15] [أي أصلحه وسّواه (ختمه وأغلقه)].
[16] [2081/ صحيح الجامع الصغير/ جـ1 – رواه الإمام البخاري والإمام أحمد].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق