17‏/5‏/2013

سقوط الأمم [العلاقة بين الفساد الأخلاقي وسقوط الأمم]

سقوط الأمم
[العلاقة بين الفساد الأخلاقي وسقوط الأمم]
 
قال تعالى: (( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين )) ([1])
من كلام نبينا e : (إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق)([2]).
في عام 1977 ذكَرَتْ مجلة (ألف باء) ما يأتي: (في عام واحدٍ اسْتهلكت بغداد خمسة وعشرين مليون قنينة كحول)([3])، قلتُ في نفسي: كم من المؤامرات حِيكَت، وكم من ذِممٍ اشتُريت، وكن من عائلاتٍ ضاعت وراء هذا الكم الهائل من المُحرمات!!!. ولقد حذرتُ الحكومة السابقة –في ذلك الوقت ومن هذا المكان- بسوء العواقب ونصحتُ لهم وكررتُ عليهم نصحي وكنتُ لهم ناصح أميناً وقلتُ لهم وأقول اليوم للأخوة للمسئولين في الحكومة الحالية: لا يمكن أن تقوم لأمة قائمة وهي تعلن الحرب على الأخلاق مهما كنت قوتها وسوف يتبين لكم ما تبين لمن سبقوكم خطورة هذا الطريق.
(وقد أدركَ المستعمرون هذه الحقيقة فمهدوا لبقائهم في البلاد التي احتلوها بإنماء نظام الطبقات وضمنوا للمترفين ما تصبوا إليه شهواتهم وتركوا كتل الشعب يموج بعضها في بعض)([4]).
لما زارَ العلامة الداعية المُفكر أبو الحسن الندوي (رحمه الله) إحدى الدول العربية، وحَضَرَ حفل تكريم بجائزة القرآن الكريم، أخذوه في جولة في تلك الدولة، فلما رجع قالوا له: ما رأيك في هذا العمران والتقدم؟ فكان رده: عمرتم الأحجار والتراب لكنْ نسيتم أن تعمروا القلوب)([5]).
قلتُ: أجمل من ذلك أن يُقال: عمرتم التراب وخربتم الشباب.
قال جوستاف لوبون: (إذا أمعنا النظر في أسباب سقوط جميع الأمم بلا استثناء وجدنا أنّ العامِلَ القوي في انحلالها ترجع علته إلى انحطاط الخلق).
وهذا أندريه مورا المفكر الفرنسي يقول: (إن أهم أسباب انهيار فرنسا في الحرب العالمية الثانية هو تفسخ الشعب الفرنسي لانتشار الرذيلة بين أفراده) فإلى أيِّ حضيضٍ يتجه إليه مجتمع اليوم وعالم الانترنيت الغير مُفلتر يدخل مفاصل الدولة تحت سمعها وبصرها ولا مِنْ معترض.
إننا نرجو - ومن منطلق الأخوة الجامعة لمكونات هذا الشعب- أن يلتفتَ أولوا الشأن المسئولون أمام الله إلى تقليل الفجوة في نظامنا الطبقي والعمل وبسرعة على إيجاد فرص معيشة وسكن بالعدل والإنصاف والوقوف أمام مؤامرات التخريب الأخلاقي قبل فوات الأوان.
قال أبو سوار العدوي t : (رأيتُ رسول الله e والناس يتبعونه، قال: فاتبعته معهم، قال: ففجئني القوم يسعون وأتى عليَّ رسول الله e فضربني ضربة إما بعسيب أو قضيب، أو سواك، أو شيء كان، فوالله ما أوجعني، قال: فبِتُّ بليلةٍ([6]) وقلتُ: ما ضربني رسول الله e إلا لشيء علمه الله (عز وجل) فيَّ، وحدثتني نفسي أنْ آتي رسول الله e إذا أصبحتُ، فنزل جبريل (عليه السلام) على النبي e فقال: [إنك راعٍ لا تكسر قرون رعيتك] فلما صلينا الغداةَ –أو قال أصبحنا- قال رسول الله e إن أناساً يتبَعوني، اللهم فمن ضربتُ أو سببتُ فأجعلها له كفارة وأجراً – أو قال: مغفرة ورحمة)([7]).
 
 
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد () أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في لصدور ))([8]).
 
الخطبة الثانية
سبق أن ذكرتُ ما يأتي من كتاب [جنة الشوك] لطه حسين، قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: (إن المنصور قال لبعض قوّاده: أجِع كلبك يَتْبَعُك وسّمِنه يأكلك، فقال له أبو العباس الطوسي: أما تخشى يا أمير المؤمنين إن أجعلته أن يلوحَ له غيرك برغيف فيتَّبعه ويَدعَكَ؟ قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: عفا الله عن المنصور وجليسه فقد شبها الناسَ بالكلاب، والله (عز وجل) يقول: (( ولقد كرمنا بني آدم ... ))([9]) قال الطالب: لو أن المنصورَ الذي ضربَ الكلبَ مثلاً لرعيته وضعَ الأسدَ موضعَ الكلب فكيف كان يقول: قال الشيخ: كان يقول: أجع أسَدكَ يأكُلك، وكان ذلك أحرى أن يُغير رأيه في الرعية وسياسته لها فيقيم الأمر بينه وبين المسلمين على الهيبة والحب لأعلى الازدراء والإغراء، قال الفتى: لو أن المنصور الذي ضرب مثلاً لرعيته لم يشبه رعيته بالكلاب ولا بالأسود وإنما أخذها كما خلقها الله ناساً من الناس فكيفَ كان يقول: قال الشيخ: كان يقول: أنصِفْ شعبك يُحببكَ)([10]).
 


[1] [القصص: ٥٨].
[2] [رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد – 92/ السلسلة الصحيحة].
[3] [العدد 434].
[4] [ص34/ الإسلام والأوضاع الاقتصادية/ محمد الغزالي].
[5] [ص25/ مجلة الهلال/ 1930/ ربيع الأول].
[6] [أي: لم أنم قلقاً].
[7] [رواه أحمد بسند جيد / 510/22].
[8] [الحج: 45 - 46].
[9] [الإسراء: ٧٠].
[10] [ص54 – 55/ جنة الشوك لطه حسين].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق