شراء الذمم
كان من دعاء نبينا e (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع،
وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئسَتْ البطانة)([2]).
في هذا البلد المضطرب، ومع هذا الصِراع الدُوَلي القائم في الساحة
السياسية تُشترى وتُباع ذِمَممُ رجالٍ ونساء فيقتلون إخوانهم بثمن، ويخونون أمتهم
بثمن، ويزورون بثمن، ويأكلون أموال الناس بثمن، ويشهدون الزور بثمن، ويكتمون الحق
بثمن، فيخسرون دنياهم وآخرتهم، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وأكثر الأوتار حساسية
في العقل البشري، والتي يُعتمد عليها دائماً الحسابات النقدية، والعواطف الغرامية،
مالٌ أو نساء.
قال الفضل بن سهل وزير المأمون العباسي: (إذا نال الرجل المنى خاض
الدماء)([3]).
قلتُُ: هذا الكلام ذكرني بما يأتي: قِيلَ لبعض عمال الولايات –في
ضيافته-([4])
ما أنقى خُبزَكَ!!! قال: لا تغتروا ببياضِه، فإن وَسَطه دماً ثم قال: كم من سيفٍ
ضربتُ به على باب السلطان حتى ابْيَضَّ خبزي)([5]).
المشتغلون في سياسات الأمم يعرفون من أين تؤكل الكتف، فهم يأخذون
العباد بصغائر الذنوب، فإذا هانت عليهم انحدروا بهم إلى الدرك الأسفل، والذنب الأول
يحدث شرخاً في النفس الإنسانية فإذا ألحِقَ بذنب آخر أحدث شرخاً أقسى من الأول حتى
يحصل المراد، وقد ذكروا: (أن أجنبياً أراد استخدام رجل من بلاد الإسلام فطلب منه
إحضار كلب فأبى، فأغراه بالمال –وكان فقيراً- فأحضره، فطلب منه أن يذبحه فأبى،
فزاده مال ففعل، ثم طلب منه أن يَطْبخه ففعل ثم طلب منه أن يأكل منه فأبى فضاعف
عطيته ففعل).
قلتُ: قال الأولون: (عندما يتكلم المال يسكت الحق).
قال فيليب أبو الاسكندر الأكبر: (كل القلاع تقتحم إذا نفذ إليها جواد
يحمل الذهب)([6]).
وصدق من قال:
يُلوى به عَصَبُ
البلاد وتُشتَرى ذِمَمُ الرجال وتُحْجَرُ
الأفكار
خبراء النفس البشرية يدركون أن هناك من يستهويه المال وهناك من لا
يملك نفسه أمام الأنثى الجميلة، وهناك المتمرد الناقم على أوضاع بلده، وهناك صاحب
المبدأ الذي يمكن الدخولُ إليه عن طريق مبادئه وهناك وهناك)([7]).
خَطبَ ابن مُلجَم –أخزاه الله- امرأة فقالت: أتزوج على ثلاثة الاف،
وعبد، وقينةٍ، وَقتل علي بن أبي طالب t -وكان قد قتل أباها- فقال: لك الثلاثة الاف
والعبدُ والقينة وأبى أن يقتل علياً t فقالت: والله لا
أنكِحُكَ نفسي. ثم جادَ لها بَعدُ بقتله... ثم قتِل)([8] ).
قال جعفر بن عمرو بن أمية الضمري: (خرجتُ أنا وعبدالله بن عَدِي بن
الخِيار t حتى جلسنا إلى وحشي. قتال حمزة t فقلنا جئناك لتحدثنا عن قتل حمزة t ! كيف قتلته؟ فقال: أما إني سأحدثكما كما حدثتُ رسول
الله e
حين سألني عن ذلك [كنتُ غلاماً لجبير بن مطعم وكان عمه طعمة قد أصيب يوم بدر فلما
سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عمَّ النبي e فأنت عتيق([9])).
الخلاصة: طرق الإسقاط كثيرة، خاصة منها ما كان مع الشباب أو الشابات،
فالمخدرات وصالونات الحلاقة ومواقع الخلوة المحرمة، ومصائد أجهزة الموبايل المصورة
كثيرة، وغير ذلك كثير والمعصوم من عصمه الله، وأخطرُ خطوات الشيطان أولها.
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ... إن الله لا يحب الخائنين
)) ([10]).
الخطبة الثانية
طلب مني بعض الأخوة أن أذكر الحضور بأدب استخدام جهاز الموبايل، لهذا
أقول: حينما يُقال: إن فلاناً صاحبُ ذوق فمعنى ذلك أنه قد حاز موهبة فوق موهبة
الأدب، فالذوق حركة من لطائف الروح كالملح للطعام، وفساد الذوق بليةٌ قلما يسلم من
آثارها -عند الناس- أحد.
حكى الدكتور مهدي السماك قال: (أتصل بي رجل في الساعة الثانية بعد
منتصف الليل، وقال: إن مريضهُ لم تتحسن حالتُه وقد مضى أربعة أيام على مراجعته،
ولما سألته: هل أكمل العلاج؟ قال: إننا لم نشتر العلاج بعد..!!)([11]).
إن الاستهانة بأدب الحياة الإنسانية يدلُّ دَلالة واضحة على غياب
الذوق السليم، والأدب يقتضي ملاحظة الأمور الآتية في استخدام الموبايل:
1-
اختيار الأوقات المناسبة لأحوال الناس!!!
2-
التعريف المباشر بالاسم والكنية عند فتح الخط وترك فضول الكلام.
3-
إعطاء مهلة من الزمن في حالة عدم الإجابة –لوجود عذر-.
4-
ترك طلب المكالمة، بعد ثلاث مرات، وحال ذلك حالُ أدب الزيارة (( ... وان
قيل لكم ارجعوا فارجعوا ...))([12]).
5-
ترك الظنون السيئة، في حالة قفل الجهاز، فلكل إنسان موقعُ حُرمة لا
يجوز إغفالها إلا بإذنه.
6-
في حالة عدم الرد على المكالمة، لا بأس أن يُذكر العائق بعد فتح
الجهاز لاستئصال الكدر والظن السيئ.
7-
حذف النغمات الشاذة التي لا تليق بأدب الاتصال.
8-
الامتناعِ عن كثرة الكلام، لعدم الوقوف على حال المخاطب فربما كان على
حال لا تقتضي الإطالة.
9-
الابتعاد كلياً عن نقل الرسائل التافهة والنكت السخيفة، والكلام
الفارغ، والأحاجي والألغاز.
10-
الحذر من تسجيل مكالمات الناس بغير إذنهم.
11-
الامتناع عن تصوير الناس بغير إذنهم، أو كشف جّوالهم.
12-
من الخيانة استخدام الجوال في المكالمات الخارجية، أثناء غياب
أصحابها.
13-
آخر الآداب وأكثرها خطراً استخدام هذا الجهاز للعبث بمواقع الشرف عند
الناس، مع بناتهم وأزواجهم والله تعالى يقول: (( الم يعلموا أن الله يعلم سرهم
ونجواهم وان الله علام الغيوب))([13]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق