الزكاة فريضة وإحسان
من كلام نبينا e: (ثلاث من فعلهن فقد طعْمَ الإيمان: من عبد
الله وحدهَ، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسُه، رافدة عليه
كلَّ عام([2])، ولا يُعطي الهَرمَة([3])، ولا الدرنة([4])، ولا المريضة، ولا الشرْط: اللئيمة، ولكنْ من وسَطِ أموالكم، فإن
الله لم يسألكم خيْرَهُ، ولم يأمركم بشرِّه)([5]) زاد البيهقي زيادة صحيحةٍ، [وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟
فقال: أن يعلم أن الله (عز وجل) معه حيث كان]([6]).
قال أبي بن كعب t: (بعثني النبي e على صدقة [بليٍّ وعُذرة]([7]) فمررْتُ على رجل من بَليٍّ له ثلاثونَ بعيراً فقلتُ له: إنَّ عليك في
أبلك هذه بنتَ مخاض([8]). قال: ذلك ما ليس فيه ظهرٌ ولا لبن وإني أكره أنْ أقرضَ الله شرَّ
مالي فتخيَّر، ولكنْ هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلتُ له:
ما أنا بآخذٍ ما لم أؤمر به، وهذا رسولُ الله e منك قريب، فإن أحببتَ أنْ تأتيهُ فتعرضَ عليه
ما عَرَضتَ عليَّ فافعل، فإنْ قبله منك قبلته وإن ردَّه عليك ردَدْتهُ، قال: فإني
فاعل، فخرج معي وخرج بالناقةِ التي عرَض عليَّ حتى قدِمنا على رسول الله e
فقال نحواً مما قال لأبي، فقال له رسول الله e: ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه
وقبلناه منك، قال: فها هي ذِه يا رسولَ الله، قد جئتك بها فخذها، قال: فأمر رسول
الله e
بقبضِها ودعا له في ماله بالبركة، قال عمارة([9]): فضرب الدهرُ ضرْبة.. فمررتُ بهذا الرجل فصّدَّقتُ ماله [ثلاثين
حِقة]([10]) فيها فحلها على الألف وخمس مائةِ بعير)([11]).
لما قرأتُ هذا الحديث، عن هذا الصحابي المُحسن تذكرت قول نبينا e:
(ثلاثة أقسِمُ عليهن وأحدِّثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة...)([12]). و: (ما من يوم يصبحُ العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقولُ أحدهما:
اللهم أعطِ منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً)([13]).
وفي باب زكاة حُليِّ النساء أعجبني موقفُ صحابية مُحسِنة حكاه الإمام
الشعبي (رحمه الله) قال: (سمعتُ فاطمة بنتَ قيس (رضي الله عنها) تقول:
أتيتُ النبي e
بطوق فيه سبعونَ مثقالاً من ذهب([14])، فقلتُ: يا رسول الله: خذ منه الفريضة التي جعل الله، قالت: فأخذ
رسول الله e
مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال، فوجهه، قالت: فقلتُ: يا رسول َ الله! خذ مِن الذي
جعل الله فيه، فقال: يا فاطمة! إن الحق (عز وجل) لم يُبق
لكِ شيئاً. قالت: قلتُ: يا رسولَ الله! رَضِيَتْ نفسي ما رضي الله (عز وجل) به
ورسوله)([15]).
قلتُ: أعجبني جداً ما ذكره الإمام الخطابي في كتابه القيّم (معالم
السنن) حول حُليِّ النساء جاء فيه: (الظاهر من الآيات يشهد لقول من أوجبها والأثر
يؤيدها، ومن أسْقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر، والاحتياط أداؤها والله
أعلم).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( وما اموالكم ولا
اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما
عملوا وهم في الغرفات آمنون )) ([16]).
الخطبة الثانية
قال علماء الاجتماع:
(الغنى وظيفة اجتماعية) وقد سبقهم القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: ((
... وأنفقوا فيما جعلكم مستخلفين فيه ... )) ([17]).
قال عليُّ بن أبي
طالب t: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين – في
أموالهم- ما يسع فقراءَهم). وفوق ذلك فالزكاة تطهير للنفس من الشح وتطهيرٌ للمال،
ومجلبة للمحبة، ومدفعة للحسد والبغضاء، وبركة ونماء للمال، وشكرٌ لنعمة الله (عز
وجل).
ولا بد لي في هذا
الموضوع – وفي هذه الأيام- أن ألفِتَ نظر إخواني إلى الاهتمام بذوي القربى أولاً،
ثم الأباعد، وقد قصصتُ عليكم قبل خمس سنوات القصة الآتية: حكى لي أحد الأخوة
القادمين من اليمن قال: (أقام رجل سقاية([18]) بين مدينتي سيئون
وتريم، فلما وضع فيها الماء، وآوى إلى فراشه رأى في منامه رجلاً صالحاً يقول له:
[سقايتك ليست طاهرة]
فذهب إليها ونظفها، وتكررت هذه الرؤيا ثلاث مرات، فوضع رقيباً عليها، فوجد أن أحد
أقارب المُحسن -صاحب السقاية- هو الذي يفعل ذلك. فكتم الخبر وسأل أولاده: هل دفعتم
الزكاة لفلان؟ قالوا: لا، فأخذ كل ما يلزم من طعام وشراب وذهب مع أولاده إليه – ولم
يخبره بشيء- فلما كان اليوم التالي، عاد إلى السقاية فوجدها نظيفة).
قلتُ: قال نبينا e:
(أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح)([19]).
http://youtu.be/A5Cj6Rcdjqk رابط الخطبة على يوتيوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق