16‏/6‏/2013

الزكاة فريضة وإحسان


الزكاة فريضة وإحسان

 

قال تعالى: (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ... )) ([1])

من كلام نبينا e: (ثلاث من فعلهن فقد طعْمَ الإيمان: من عبد الله وحدهَ، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسُه، رافدة عليه كلَّ عام([2])، ولا يُعطي الهَرمَة([3])، ولا الدرنة([4])، ولا المريضة، ولا الشرْط: اللئيمة، ولكنْ من وسَطِ أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيْرَهُ، ولم يأمركم بشرِّه)([5]) زاد البيهقي زيادة صحيحةٍ، [وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله (عز وجل) معه حيث كان]([6]).

قال أبي بن كعب t: (بعثني النبي e على صدقة [بليٍّ وعُذرة]([7]) فمررْتُ على رجل من بَليٍّ له ثلاثونَ بعيراً فقلتُ له: إنَّ عليك في أبلك هذه بنتَ مخاض([8]). قال: ذلك ما ليس فيه ظهرٌ ولا لبن وإني أكره أنْ أقرضَ الله شرَّ مالي فتخيَّر، ولكنْ هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلتُ له:

ما أنا بآخذٍ ما لم أؤمر به، وهذا رسولُ الله e منك قريب، فإن أحببتَ أنْ تأتيهُ فتعرضَ عليه ما عَرَضتَ عليَّ فافعل، فإنْ قبله منك قبلته وإن ردَّه عليك ردَدْتهُ، قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقةِ التي عرَض عليَّ حتى قدِمنا على رسول الله e فقال نحواً مما قال لأبي، فقال له رسول الله e: ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك، قال: فها هي ذِه يا رسولَ الله، قد جئتك بها فخذها، قال: فأمر رسول الله e بقبضِها ودعا له في ماله بالبركة، قال عمارة([9]): فضرب الدهرُ ضرْبة.. فمررتُ بهذا الرجل فصّدَّقتُ ماله [ثلاثين حِقة]([10]) فيها فحلها على الألف وخمس مائةِ بعير)([11]).

لما قرأتُ هذا الحديث، عن هذا الصحابي المُحسن تذكرت قول نبينا e: (ثلاثة أقسِمُ عليهن وأحدِّثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة...)([12]). و: (ما من يوم يصبحُ العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقولُ أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً)([13]).

وفي باب زكاة حُليِّ النساء أعجبني موقفُ صحابية مُحسِنة حكاه الإمام الشعبي (رحمه الله) قال: (سمعتُ فاطمة بنتَ قيس (رضي الله عنها) تقول: أتيتُ النبي e بطوق فيه سبعونَ مثقالاً من ذهب([14])، فقلتُ: يا رسول الله: خذ منه الفريضة التي جعل الله، قالت: فأخذ رسول الله e مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال، فوجهه، قالت: فقلتُ: يا رسول َ الله! خذ مِن الذي جعل الله فيه، فقال: يا فاطمة! إن الحق (عز وجل) لم يُبق لكِ شيئاً. قالت: قلتُ: يا رسولَ الله! رَضِيَتْ نفسي ما رضي الله (عز وجل) به ورسوله)([15]).

قلتُ: أعجبني جداً ما ذكره الإمام الخطابي في كتابه القيّم (معالم السنن) حول حُليِّ النساء جاء فيه: (الظاهر من الآيات يشهد لقول من أوجبها والأثر يؤيدها، ومن أسْقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر، والاحتياط أداؤها والله أعلم).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون )) ([16]).

 

الخطبة الثانية

قال علماء الاجتماع: (الغنى وظيفة اجتماعية) وقد سبقهم القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: (( ... وأنفقوا فيما جعلكم مستخلفين فيه ... )) ([17]).

قال عليُّ بن أبي طالب t: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين – في أموالهم- ما يسع فقراءَهم). وفوق ذلك فالزكاة تطهير للنفس من الشح وتطهيرٌ للمال، ومجلبة للمحبة، ومدفعة للحسد والبغضاء، وبركة ونماء للمال، وشكرٌ لنعمة الله (عز وجل).

ولا بد لي في هذا الموضوع – وفي هذه الأيام- أن ألفِتَ نظر إخواني إلى الاهتمام بذوي القربى أولاً، ثم الأباعد، وقد قصصتُ عليكم قبل خمس سنوات القصة الآتية: حكى لي أحد الأخوة القادمين من اليمن قال: (أقام رجل سقاية([18]) بين مدينتي سيئون وتريم، فلما وضع فيها الماء، وآوى إلى فراشه رأى في منامه رجلاً صالحاً يقول له:


[سقايتك ليست طاهرة] فذهب إليها ونظفها، وتكررت هذه الرؤيا ثلاث مرات، فوضع رقيباً عليها، فوجد أن أحد أقارب المُحسن -صاحب السقاية- هو الذي يفعل ذلك. فكتم الخبر وسأل أولاده: هل دفعتم الزكاة لفلان؟ قالوا: لا، فأخذ كل ما يلزم من طعام وشراب وذهب مع أولاده إليه – ولم يخبره بشيء- فلما كان اليوم التالي، عاد إلى السقاية فوجدها نظيفة).


قلتُ: قال نبينا e: (أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح)([19]).


http://youtu.be/A5Cj6Rcdjqk رابط الخطبة على يوتيوب




[1] التوبة: ١٠٣.
[2] أي: عطاء عليه في كل عام.
[3] المسنة الضعيفة كِبراً.
[4] الفاسدة.
[5] السلسلة الصحيحة، 3/1046.
[6] سنن البيهقي، 4/95.
[7] قوم من حلفاء الأنصار.
[8] هي التي لها سنة ودخلت في الثانية.
[9] أحد رواة الحديث.
[10] ما طعن في الرابعة من الإبل في الذكر والأنثى واستحق أن يُحمل عليه.
[11] صحيح أبي داود، 1584. صحيح ابن حبان، 1/664.
[12] متفق عليه.
[13] متفق عليه.
[14] حُليٌّ للعنق يحيط به.
[15] السلسلة الصحيحة، 1876 . ورواه أبو الشيخ في جزئه بسند صحيح.
[16] سبأ: ٣٧ .
[17] الحديد: ٧ .
[18] ماء السبيل لشرب الناس].
[19] صحيح الترغيب والترهيب، 894.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق