6‏/6‏/2013

العيش مع الله


العيش مع الله

 

قال تعالى: (( والفجر () وليال عشر ))[1].

عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله e : (ما من أيام العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام) يعني أيامَ العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)([2]).

قال لي رجل: (لقد راجعتُ نفسي ليلة من الليالي فوجدتُ أن ما يقرب من 90% من أعمالي لم ابتغ فيها وجهَ اللهِ والدارَ الآخرة، إنما كانت أموراً اقتضتها المصلحة الشخصية، ليس لي فيها نية، هذا ما فهمته منه – وهو صادق-) قلت: قال مارتن لوثر كينج الصغير: (إذا لم يجد الانسان شيئاً يموت في سبيله فإنه لا يستحق أن يعيش).

يجب أن يكون لكل مسلم هدف يعيش من أجل الوصول إليه، رضا الله، والدار الاخرة، هكذا كان هدف سلفنا الصالح    (رضي الله عنهم أجمعين).

قال العلماء: (إذا لم يكن الهدف الذي تعمل من أجله حاضراً في ذهنك دائماً فربما تضِلُّ الطريق).

والعيش مع الله U في دائرة شريعة الله يوصل إلى هذا الهدف، فليست العظمة منصباً كبيراً ولا مالاً عريضاً، وإنما هي نفس توّاقة للخير الدائم، باحثة عن الأجر الموصل إلى الهدف.

قال الثعالبي (رحمه الله): (ما انصفَ نفسه من عرف الحشر والحساب، وزهد في الأجر والوثاب).

عب أبي هريرة t : (أنهم كانوا يحمِلون اللبن لبناء المسجد ورسول e معهم، قال: فاستقبلتُ رسول الله e وهو عارض لبنة على بطنه فظننت أنها قد شقت عليه، قلت: ناولينها يا رسول الله قال: خذ غيرها يا أبا هريرة فإنه لا عيشَ إلا عيش الآخرة)([3]).

وعن عبدالله بن مسعود t قال: (كنا يوم بدر، كل ثلاثة على بعير، -أي يتعاقبون- وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله e قال: فكانت عُقبَة رسول الله e فقالا له: نحن نمشي عنك – ليظل راكباً- فقال: ما أنتما بأقوى مني([4]) عل المشي ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)([5]).

قال سراقة بن مالك t: (أتيت رسول الله e بالجعرانة، فلم أدرِ ما أسأله عنه، فقلت: يا رسول الله! إني أملئ حوضي أنتظر([6]) ظهري يَردُ عليَّ، فتجيء البَهمَة([7]) فتشربُ، فهل في ذلك أجرٌ؟ فقال رسول الله e: لك في كل كبدٍ رطبة اجرٌ)([8]).

قال سعيد بن مرجانة –صاحب علي بن الحسين t- قال لي أبو هريرة t، قال النبي e: (أيما رجلٍ اعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار قال سعيد: فانطلقتُ به إلى علي بن الحسين t فعمد علي بن الحسين t إلى عبدٍ له قد أعطاه به عبدالله بن جعفر عشرة الاف درهم –او ألف دينار- فاعتقه)([9]).

نفوس تواقة للخير باحثة عن الأجر، مع سرور وأريحية في النفس لا مثيل لها، قال علي t: (... لأن أقضي لأمرئ مسلم حاجة أحَبُّ إلي من ملئ الأرض ذهباً وفضة)([10]).

(وجاء رجل إلى الحسن بن علي (رضي الله عنهما) فذكر له حاجته فخرج معه لحاجته، فقال له: أما إني كرهتُ أن أعَنّيك في حاجتي، فقال الحسن (رضي الله عنه): لقضاءُ حاجة أخٍ لي في الله أحب إليَّ من اعتكاف شهر)([11]).

قالت عائشة (رضي الله عنها): (أهدِيَتْ لرسول الله شاة قال: اقسميها، فكانت عائشة (رضي الله عنها): إذا جاءت الخادم- تقول: ما قالوا؟ تقول الخادم: قالوا: بارك الله فيكم، فتقول عائشة (رضي الله عنها)، وفيهم بارك الله، نَرُدُّ عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرُنا لنا)([12]).

رحم الله من قال: (من ادعى العقل ولم تكن همته الآخرة فهو كاذب)([13]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( واعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) ([14]).

 

الخطبة الثانية

قيل لأبي مسلم الخولاني (رحمه الله): حين كبر: (إنك قد كبرتَ ورققتَ، فلو رفقتَ بنفسك. قال: إذا أرسلتْ الحلبة([15]) قيل لفرسانها: ارفقوا بها، وسددوا بها، فإذا دنوتم من الغاية ((الهدف)) فلا تسْتبْقوا منها شيئاً فقد رأيتُ الغاية فدعوني)([16]).

قال الدكتور عائض القرني: (جلستُ مع علي طنطاوي في أواخر عمره، وقد أقعِدَ عن الحركة، وكانت دموعه تسابق كلماتِه كلما ذكر قصة أو ذكرى أو حدَّث بكى، وأخبرني انه لا يريد الآن إلا مغفرة الله ورحمته).



[1] [الفجر:1_2].
[2] [2/381/ البخاري]
[3] [ص458/ جـ1/ الثمر المستطاب بسند صحيح].
[4] [كان عمره آنذاك الخامسة والخمسين].
[5] [ص392/ جـ3/ صحيح الآدب المفرد].
[6] [أي: أنتظر أبل الركوب].
[7] [أولاد البقر والمعز والضأن].
[8] [2152/ السلسلة الصحيحة].
[9] [174/ صحيحة/ ص634/ جـ4/ التفسير الصحيح/ د. حكمت بشير].
[10] [3/317/ كنز العمال – ص751/ جـ2/ حياة الصحابة].
[11] [ص76/ جـ14/ تاريخ دمشق].
[12] [238/ الكلم الطيب].
[13] [ص43/ من أخلاق السلف/ د. أحمد فريد].
[14] [الحديد:20].
[15] [الدفعة من الخيل تجمع للسباق].
[16] [ص382/ المعرفة والتاريخ / أكرم العمري].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق