6‏/6‏/2013

الحياة الزوجية.. مشاكل وحلول


الحياة الزوجية.. مشاكل وحلول

 

قال تعالى: (( ... وأتمروا بينكم بمعروف ...)) ([1]).

العائلة أساسُ التكوين الاجتماعي لكل أمة، إن كان أساسُها صالحاً صَلحت الأمة، ولا أعتقد بوجود بلد إسلاميٍّ تخْلق فيه المشاكلُ الاجتماعية خلقاً لا موجب له كما هي في هذا البلد المضطرب. والذي يتابع أخبار محكمة الأحوال الشخصية يرى العجب العجاب، وقد يُحَدِّثُ نفسه ويقول مائة عقد زواج يقابلها خمسون طلاقاً أو يزيد؟ أليست هذه كارثة اجتماعية؟ أين ذهبت عقول الرجال؟ ما أسباب ذلك؟ وما العلاج؟

في قواعد الصحة العامة، يُقال: الوقاية خير من العلاج. وهذا الكلام ينطبق على علاج مشكلات الزواج الفاشل تمام الانطباق.

أما أول الأسباب: فسوء الاختيار من الوجهة الشرعية، فقد كان من قبلنا يبحثون عن الدين والخلق والنسب الأصيل، وهم اليوم يبحثون عن المال والجمال ورسول الله e يقول: (تخيروا لنطفكم...)([2]). وقد أعجبني قول من قال لأولاده: (يا بَنيَّ! قد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا، قالوا: كيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترتُ لكم من لا تسَبون بها).

السبب الثاني: فساد الابتداء في الحياة الزوجية، فقد ألزم سلفنا الصالح (رضي الله عنهم) بناتِهم وأبناءَهم أدب الحياة الزوجية الصحيحة قبل دخولهم عليها، فهذه أسماء بنت خارجة الفزاري أوصتْ ابنتها عند زفافها قالت لها: (إنك خرجتِ من العش الذي درجت فيه إلى فراش لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضاً يكن لك سماءاً وكوني له مهاداً يكن لكِ عماداً، وكوني له أمة يَكنْ لكِ عبداً، ولا تلحّي عليه فيكرهَك ولا تبتعدي عنه فينساك)([3]).

قال أحد الآباء لابنه يوم زفافه: (يا بُني! إن الزوجة التي تترك أباها وأمها وإخوانها لتلحق بك فمن الحق أن ترى فيك رأفة الأب وحُنوَّ الأم ورفق الأخ).

السبب الثالث: تدخل أهل الزوجين في كل صغيرة وكبيرة، قال علي طنطاوي (رحمه الله): (نظرت في أكثر من عشرين ألفَ قضية خِلاف زوجي وصارت لي خبرة أستطيع أن أؤكد القول معها بأنه لو تُرِكَ الزوجان المختلفان ولم يدخل بينهما أحد من الأهل ولا من أولاد... الحلال لانتهت بالمصالحة ثلاثة أرباع قضايا الزواج)([4]).

روى أهل الحديث: (أن معقل بن يسار t زّوجَ أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله e فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجْعها حتى انتهت العدة فهوِيَها وهوِيَته ثم خطبها مع الخُطاب فقال له: يا لكع!([5]) أكرمتك بها وزوّجْتكها فطلقتها؟ والله لا ترجع إليك أبداً، آخر ما عليك، قال: فعلِمَ الله حاجتها إلى بعلها فأنزل تبارك وتعالى: (( وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الأخر ذلكم أزكى لكم واطهر والله يعلم وانتم لا تعلمون ))([6]). فلما سَمعها معقل t دعاه وقال له: أزوِّجُك وأكرمُك)([7]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ذلك امر الله انزله اليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا ))([8]).

 

الخطبة الثانية

السبب الرابع: الجهل بالحقوق الزوجية التي احكمتها شريعة اللعه لكلا الطرفين وقلة الفقه بأدب الإسلام، والاعتماد على تفاهات ما تنشره بعض وسائل الإعلام المُخربة والهادمة لجميع مقومات الأسرة المسلمة، حكى أحد المستمعين إلى وعظ الشيخ إبراهيم بن عمر الجزائري قال: (رجعت في ليلة الوعظ بعد تراويح رمضان ففتحتْ زوجتي الباب وأكبت برأسها على صدري قلتُ: بسم الله! دعيني أدخل الدار! فرفعت رأسَها وبَكتْ وقالتْ: لا والله لن أترككَ تدخل الدار حتى تخبرني هل أنت راضٍ عني؟ فقد سمعتُ حقوق الزوج في درس البارحة)([9]).

 

السبب الخامس: غياب دور الأب والعقل الموجه (الرجل سيد أهله...)([10])، وقلة المصلحين، وكثرة المفسدين.

السبب السادس: الخصومات على القضايا المادية.

السبب السابع: وهو أهم الأسباب وهو غياب التقوى، هذه الكلمة التي أشارَ القرآن الكريم إليها أربعَ مرات في سورة الطلاق: (( ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا ... )) ([11]).

وأخيراً: وغيرُ ذلك كثير مما يأتي من وسائل الإعلام المُفسدة للحياة الزوجية المستقرة فقد فقِدَ مثال الحياة الزوجية للسلف الصالح رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.

 



[1] [الطلاق: ٦].
[2] [1067/ السلسلة الصحيحة].
[3] [ص179/ أحكام النساء/ ابن الجوزي].
[4] [ص11/ من حديث النفس].
[5] [أي: يا لئيم].
[6] [البقرة:232].
[7] [2782/ صحيح الترمذي].
[8] [الطلاق:5].
[9] [106/ جـ3/ أعلام الإصلاح في الجزائر/ محمد علي دبور].
[10] [2041/ السلسلة الصحيحة].
[11] [الطلاق: ٤].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق