العبادة بين صورة الإسلام وحقيقته
قال تعالى: (( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( قالت الأعراب
آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ... ))
([1]).
من كلام نبينا e: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،
والمؤمن من آمنه الناس على دمائهم وأموالهم)([2]).
حكى الدكتور صباح السامرائي قال: (كنت في ردهة الطوارئ وكان الحاجب
على الباب فجاء رجل لزيارة أخيه الراقد في المستشفى بسبب كسور إثر حادث مرور،
فمنعه البواب واحتدم النقاش فانقض الرجل على البواب وعض أذنه فقطعها ودخل ردهة الطوارئ،
ثم دخل عليّ البواب مقطوعَ الأذن، قلت له: أين الجزء المقطوع؟ قال: سقط عند باب
المستشفى، وراح يفتش عنه فوجده قد داسته الأقدام، ولا يمكن إرجاعه وخرج الزائر
والبواب يسبه ويصفه بالكلب العقور، وبدأ الرجل يعتذر لي لأكون شافعاً ، فقلت له لو
كنت استطيع إعادة الإذن المقطوعة، لطلبت منه أن يعفو عنك، أما وقد خسر إحدى أذنيه إلى
الأبد، فلا، ولن يصفح عنك، وجاءت الشرطة واقتادوه معهم – وهو يتمتم– ما دامت إصابة
أخي ليست خطيرة فكل شيء يهون).
أقول: قال محمد متولي الشعراوي (رحمه الله): (القيم –الأخلاقية– لا يبلغ حظها من السمو إلا
إذا طبع السلوك على مقتضى هذه القيم).
وما قيمة الصلاة إذا كان صاحبها لا ينتهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وما
قيمة الصيام، إذا لم يورث التقوى وكذا سائر العبادات التي هي وسائل لتحقيق المثل
العليا في الإسلام في عالم الأخلاق والمعاملات.
قال الحسن البصري (رحمه
الله): (ابن ادم! كيف تكون
مسلماً ولا يسلم منك جارك ، وكيف تكون مؤمناً ولا يأمنك الناس)([3])
هذا هو بالضبط ما قال عنه احمد أمين (رحمه الله) إذ سماه
((التدين الصناعي))، أما محمد الغزالي (رحمه الله) فقد
قال: (تبين لي بعد أربعين سنة من العمل في الدعوة الإسلامية إن أخطر ما يواجه العمل
الإسلامي هو التدين الفاسد).
ليست قيمة الإنسان فيما يعتقده نظرياً فقط بل فيما يلتزمه عملياً في
سلوكه العام.
قال صالح بن زائدة :t قلت
لسعيد بن المسيب t: (ما رأيت مثل فتيان هذا المسجد، إن احدهم ليخرج بالهجير([4]) فلا يزال قائماً حتى يصلي العصر، قال ابن
المسيب: ما كنا نعد هذا عبادة؟ قلنا له : يا أبا محمد فما العبارة ؟ قال: التفكير
في أمر الله والورع عما حرم).
إلى هذا المعنى أشار نبينا e
بقوله: (كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً لتكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب
لنسك تكن مؤمناً...).
قال عمر t:
(لا تنظروا إلى صيام الرجل ولا صلاته ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدث، وأمانته إذا
أؤتمن وورعه إذا أشفى )([5])
قال العلماء: ( إن اكبر مهمة دينية في هذا
العصر، وأعظم خدمة دينية واجلها للأمة الإسلامية هي دعوة السواد الأعظم للأمة إلى
الانتقال من صورة الإسلام إلى حقيقته).
كيف السبيل إلى ذلك.
أولاً: إرادة التغيير: فإذا وجدت الإرادة، وجد
المراد بإذن الله.
ثانياً: تجديد الإيمان: قال نبينا e:
(إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسألوا الله أن يجدد إيمانكم)([6])
قال ابن أبي ملكية (رحمه
الله): (أدركت ثلاثين من أصحاب
رسول الله e
قد شهدوا بدراً كلهم يخاف النفاق ([7]) كلهم يرى أنَّ غيره خير منه).
(ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء t، فقال ابن الكندية([8]) إني لغير الدجال أخوف عندي من الدجال، فقال أبو الدرداء t: ما هو؟ قال : قال: أخاف أن استلب إيماني – وأنا لا اشعر
– فقال أبو الدرداء t ثكلت أمك يا ابن الكندية ((يتعجب من فقهه)) وهل في الأرض خمسون يتخوفون مما تتخفون؟
ثم قال: وثلاثون، وعشرون، وعشرة وخمسة، ثم قال: وثلاثة! كل ذلك يقول: ثكلتك أمك!
والذي نفسي بيده ما الإيمان إلا كالقميص يتقمصه – العبد – مرة ويضعه أخرى)([9])
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( إنما المؤمنون
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم
يتوكلون )) ([10]).
الخطبة الثانية
ثالثاً:- تحويل
القول إلى عمل وسلوك قال عبد الله بن سلام tجلسنا في نفر من أصحاب رسول الله e فقلت: أيكم يأتي رسول الله e
فيسأله: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: فهبنا أن يسأله منا احد، قال فأرسل إلينا
رسول الله e يفردنا رجلا رجلاً، لم يتخط
غيرنا، فلما اجتمعنا عنده، أومأ([11]) بعضنا إلى بعض، لأي شي أرسل إلينا؟ وفزعنا أن يكون فينا([12])، فقرأ علينا رسول الله e: (( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو
العزيز الحكيم () يأيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون ))([13]). قال: فقرأها من فاتحتها إلى خاتمتها)([14])
قال أبو الدرداء :t(إن أخوف ما خاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي –
على رؤوس الخلائق – أعلمت أم جهلت؟ فإن قلتُ: علمتُ، لا تبقى آية آمرة أو زاجرة
إلا أتتني بفريضتها الآمرة هل ائتمرتَ والزاجرة، هل ازدَجَرْتَ وإني أعوذ بالله
تعالى من علم لا ينفع)([15]).
وكان من كلام الإمام البخاري t: (لقد لقيت أكثر من ألف
رجل من أهل الحجاز والعراق والشام، ومصر، وخراسان، فما رأيت واحداً منهم يختلف
في [إن الدين قول وعمل])([17]).
رابعاً: صحبة الصالحين والقول الفصل في ذلك قوله e:
(لا تصاحب إلا مؤمناً)([18]). إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل
المسك ونافخ الكير...)([19]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق