مشيئة الله حاكمة وإرادته نافذة
عن ابن عباس (رضي
الله عنهما) قال: (جاء رجل
إلى النبي e
فراجعه في بعض الكلام فقال: ما شاء الله وشئتَ، فقال رسول الله e:
أجعلتني لله نِداً([2]) لا بل ما شاء الله وحده)([3]).
مشيئة الله حاكمة على عباده فيما يحبون أو يكرهون وإرادته نافذة على
ما يشاء هو، أحببنا أم كرهنا، وبعض الناس -اليوم- تقتلهم الهموم على أقدار الله
عليهم في دنياهم، ناسين قول الله عز وجل: (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى
ان تحبوا شيئا وهو شر لكم ...)) ([4]).
قال الفضيل بن عياض (رحمه الله): (استخيروا الله ولا
تخَيَّروا عليه، فكم من عبدٍ تخير لنفسه أمراً كان فيه هلاكه)([5]).
لما قدم أبو عبيد
القاسم بن سلام –الفقيه المحدث- مكة حاجاً، وقضى حَجّه وأراد الانصراف اكترى إلى
العراق ليخرج صبيحة الغد، قال أبو عبيد: فرأيتُ النبي e في رؤياي –وهو جالس- وعلى رأسه قوم يَحْجبونَه([6])، والناس يدخلون ويسلمون عليه ويصافحونه. قال: فكلما دنوتُ لأدخل مع
الناس مُنِعتُ فقلتُ لهم: لم لا تخلون بيني وبين رسول الله e؟ فقالوا لي: لا والله لا تدخل عليه، ولا تسلم
عليه وأنت خارج غداً إلى العراق، فقلت لهم:إني لا أخرج إذاً، فأخذوا عهدي ثم خلوا
بيني وبين رسول الله e
فدخلتُ وسلمتُ عليه وصافحني وأصبحتُ ففسَخْتُ الكِراء وسكنتُ مكة)([7]).
ذكر لي أحد الإخوة الأصدقاء العسكريين قال: (كنتُ آمراً لإحدى الوحدات
العسكرية في شمال العراق –أيام الحركات- فاشتريتُ (زولية)([8]) وكانت هذه أولَ حاجة اشتريتها من راتبي الخاص وكنتُ فرحاً بها حريصاً
عليها فأرسلتها –على عجل- مع أول قافلة عسكرية قبل إجازتي خوفاً عليها من الفئران،
وأوصيتُ الضابط المرافق للقافلة بها، وزيادة في الحرص عليها وضعتُها في عجلةٍ([9]) وسَط القافلة، حتى إذا تعَرضّتْ القافلة لكمين من الأمام أو من
الخلف، فسوف تسلم، وشاءَ الله أن تسقط قذيفة هاون واحدة عليها فقط فمزقتها...).
حكى الشيخ محمد بن عمر التونسي يروي عن مشاهداته في بلاد السودان قال:
أخبرني رجل من الأكابر يُقال له عثمان (أنه مرض بالجُدري وقاسى ما قاسى ثم شفاه
الله، فلما قشرَ جُدَريُّهُ –وقبل أن يندملَ- صار يؤذيه الذباب، فكان يتلثم لأجل
ذلك، قال: فبينما أنا ذات يوم متلثم واقف على باب داري إذ رأيت أعرابياً قد جاء
يمشي مِشية الخائف فلما رآني أقبل عليَّ حتى دنا مِني وسَلم عليَّ ثم قال: (أمانة
عليك)([10]) هل في حِلتِكم هذه جدري؟ فقلتُ: كفانا الله شرَّ الأمانة، ورفعتُ
اللثام عن وجهي - فحين رآني صاح صيحة عظيمة وسقط إلى الأرض فجاء لصيحته إخوانه من
الأعراب فرفعوه وذهبوا به- وكنت أنا حين جاء إخوانه فررِتُ لئلا يقتلوني فبلغني
بعد ذلك أنه مات بعد ثلاثة أيام)([11]).
حَدّث القاضي أبو مروان الداني (رحمه الله) قال:
نزلت قافلة بقرية خَرِبة من أعمال دانية، فآوَوا إلى دارٍ خراب هناك ليسكنوا من
الرياح والأمطار، واستوقدوا نارهم، وسَوّوا معيشتهم،
وقرب تلك الخِربة حائط مائل قد أشرف على الوقوع، فقال رجل منهم لأهل
القافلة: يا هؤلاء! لا تقعدوا تحت هذا الحائط، ولا تدخلوا هذه البقعة فأبوا إلا
دخولها، وبات الرجل منتبذاً خارجاً عنهم، ولم يقرب ذلك المكان، ثم أصبحوا في عافية
وحملوا دوابّهم فبينما هم كذلك إذ دخل الرجل الخربة ليستوقد ببقية النار فخرَّ
عليه الحائط فمات مكانه)([12]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( وما تشاءون إلا أن
يشاء الله رب العالمين ))([13]).
الخطبة الثانية
حكى الدكتور كمال شقفة قال: (قررنا ذاتَ يوم تحريض المخاض لحاملٍ قبل
موعدها ففشلنا، وأعدنا بأسلوب آخر وفشلنا فقررنا الانتظار بضعة أيام، وفي اليوم
التالي فوجئتُ ببدء المخاض من تلقاء نفسه، فقلتُ: لماذا لم يستجب الرحم لتحريضاتنا
ما دام سيبدأ من نفسه بعد قليل، لست أدري! لقد وضِعْتَ لمِثل هذه الحالات كثير من
النظريات، وشاع بيننا تعبير مُعبّر... فحين أسأل عن مريضة كانت موضع مناقشة
مستفيضة في اليوم السابق كثيراً ما كان الجواب الله حرَّضها - وهذا حق- (( ألم
نخلقكم من ماء مهين () فجعلناه في قرار مكين () إلى قدر معلوم () فقدرنا فنعم
القادرون )) ([14]).([15]).
حكى
الدكتور كمال السامرائي (رحمه الله)
قال: (إن سيدة أمريكية واسعة الثراء قدِمتْ إلى لندن وكانت حاملاً في شهرها
الثامن، وما أن وطِئت قدماها أرض المطار حتى صارت تنزف دماً، فنقلت إلى المستشفى
وطلبت أفضل الجراحين النسائيين ورؤساء الأطباء النسائيين، كما طلبتْ أفضل مُخدِّر،
وأفضل الممرضات وأجريت لها العملية القيصرية وحينما صحت من التخدير أمرتْ
سكرتيرتها أن تعطي كل جراح خمسة آلاف باون ومثلها للمخدر ومثلها لكل ممرضة
والنتيجة أنها أصيبت بكل الاختلاطات المرضية التي تذكرها المؤلفات الطِبية وأخيراً
توفيت)([16]).
عن
الوليد بن عبادة بن الصامت (رضي الله عنهما)
قال: (دخلتُ على أبي –وهو مريض أتخايل فيه الموت- فقلتُ: يا أبتاه! أوصني واجتهد
لي. فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه قال: يا بني! إنك لن تجدَ طعم الإيمان، ولن تبلغ
حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، فقلت: يا أبتاه! كيف
لي أن أعلم ما خيرُ القدر وشرُّه؟ قال: تعلم أنما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك
لم يكن ليخطئك، يا بني! إني سمعت رسول الله e يقول: (أول ما خلق الله القلم، قال: اكتب! فجرى في تلك الساعة بما
هو كائن إلى يوم القيامة، يا بني! إن مُتَّ ولستَ على ذلك دخلتَ النار)([17]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق