الجنة وطلب الصالحين لها وشوقهم إليها
عن عبد الله بن مسعود t قال: (صلى رسول الله e العشاء ثم انصرف، فأخذ بيد عبد الله بن مسعود t
حتى خرج به
إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم خط عليه خطاً ثم قال: لا تبرحَنَّ خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لن يكلموك، ثم مضى رسول الله e حيث أراد، فبينما أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزُّط([2])، أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى قِشراً([3])، وينتهون إليَّ ولا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله e حتى إذا كان من آخر الليل لكنَّ رسول الله e قد جاءني وأنا جالس ثم دخل عليّ في خطي فتوسَّد فخذي ورَقد، وكان رسول الله e إذا رقد نفخ فبينما أنا قاعد ورسول الله e متوسد فخذي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إليَّ، فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله وطائفة منهم عند رجليه، ثم قالوا بينهم: ما رأينا عبداً قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي، إن عينيه تنامان، وقلبَه يقظان، اضربوا له مثلاً، مثل سيد بنى قصراً ثم جعل مائدة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرابه ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه ثم ارتفعوا، واستيقظ رسول الله e فقال: سمعتَ ما قال هؤلاء؟ وهل تدري من هم؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: هم الملائكة، فتدري ما المثل الذي ضربوه؟ الرحمن بنى الجنة، ودعا إليها عباده فمن أجابه دخل الجنة، ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه)([4]).
إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم خط عليه خطاً ثم قال: لا تبرحَنَّ خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لن يكلموك، ثم مضى رسول الله e حيث أراد، فبينما أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزُّط([2])، أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى قِشراً([3])، وينتهون إليَّ ولا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله e حتى إذا كان من آخر الليل لكنَّ رسول الله e قد جاءني وأنا جالس ثم دخل عليّ في خطي فتوسَّد فخذي ورَقد، وكان رسول الله e إذا رقد نفخ فبينما أنا قاعد ورسول الله e متوسد فخذي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إليَّ، فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله وطائفة منهم عند رجليه، ثم قالوا بينهم: ما رأينا عبداً قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي، إن عينيه تنامان، وقلبَه يقظان، اضربوا له مثلاً، مثل سيد بنى قصراً ثم جعل مائدة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرابه ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه ثم ارتفعوا، واستيقظ رسول الله e فقال: سمعتَ ما قال هؤلاء؟ وهل تدري من هم؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: هم الملائكة، فتدري ما المثل الذي ضربوه؟ الرحمن بنى الجنة، ودعا إليها عباده فمن أجابه دخل الجنة، ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه)([4]).
أعجب العجب أن يعلم المسلم ما أعد الله لعباده الصالحين في الجنة،
ويترك دعوة الله له إليها.
وبعض الناس يقتتلون على أخْذِ ما حرم الله عليهم ويتركون نعيم الأبد
وصحبة النبيين، وقد قيل لخالد بن صفوان([7]) من أبلغ الناس؟ قال: الحسن البصري في قوله: (فضح الموت الدنيا) قلت:
صدق والله، هذا كلام بليغ في معناه، عمن عاين الجنة ساعة الاحتضار فيا لتفاهة
الدنيا وما فيها.
حكى الدكتور خالد جبير قال: (جيء إلينا بشاب مصاب بجلطة، نظرتُ إليه
فإذا هو يصارع الموتَ، ولما رجعت رأيت الشاب متعلقاً بيد الطبيب، والطبيب قد ألصق
أذنه بفم الشاب وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ومات،
فانفجر طبيب الإسعاف باكياً حتى أنه لم يستطع الوقوف على قدميه، فعجِبنا، وقلنا:
ما لك تبكي؟ ليست هذه أولَ مرة ترى فيها ميتاً، لكنَّ الطبيب استمر في البكاء فلما
هدأ قال لي([8]): لما رآك تأمر وتنهى علم أنك المختصُّ به فقال لي: يا دكتور!! قل
لصاحبك لا يُتعِب نفسَه، انا ميتٌ، والله إني أرى مقعدي في الجنة الآن. هذا الشاب
سقط في المسجد بعد أن رد المصحف الذي كان يقرأه، ثم نهض ليَقِف في الصف فإذا به
يقع على الأرض)([9]).
قلتُ قال نبينا e: (خِصال ست ما من مسلم يموت في واحدة منهن إلا
كان ضامناً على الله أن يدخله الجنة...
رجل خرج مجاهداً فإن مات في وجهه كان ضامناً على الله أن يدخله
الجنة...
ورجل تبع جنازة فإن مات في وجهه كان ضامناً على الله أن يدخله
الجنة...
ورجل عاد مريضاً فإن مات في وجهه كان ضامناً على الله أن يدخله
الجنة...
ورجل توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لصلاته فإن مات في وجهه كان
ضامناً على الله أن يدخله الجنة...
ورجل أتى إماماً لا يأتيه إلا ليُعزِّره ويوَقره فإن مات في وجهه كان
ضامناً على الله أن يدخله الجنة...
ورجل في بيته، لا يغتاب مسلماً ولا يجرُّ إليهم سُخْطاً ولا نِقمة فإن
مات كان ضامناً على الله أن يدخله الجنة)([10]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( وازلفت الجنة للمتقين
غير بعيد () هذا ما توعدون لكل اواب حفيظ () من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب
() ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ()لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ))([11]).
الخطبة الثانية
قال
بشر الحافي كلاماً جميلاً في هذا الموضوع: (ويحك هب أنك لا تخاف إلا تشتاق؟).
خرج
سعيد بن عامر t
والياً على حمص ومعه ألف دينار عطاؤه، فاشترى بقليلٍ حاجاتِ بيته، ثم قال لامرأته:
إني عازم على تجارة بيد خبير([12]) فوافقتْ فصرفه في وجوه الخير، ومضت الأيام فألحَّتْ الزوجة على مصير
المال،ولما أكثرت عليه قال لها: لو أن خَيرة من الخيرات الحسان إطلعتْ من السماء
لأضاءت أهل الأرض، ولنصيفها([13]) خير من الدنيا وما فيها، فلأنتِ أحرى في نفسي أن أدَعَكَ لهنَّ من أن
أدَعَهنَّ لك، إن لي أصحاب فارقوني([14]) منذ قريب ما أحِبُّ أني صُدِدْتُ عنهم وأن لي الدنيا وما فيها)([15]).
قال أبو سلام الحبشي (رحمه الله): (بعث
إليَّ عمر بن عبدالعزيز (رحمه
الله) فحُمِلتُ على
البريد، فلما دخلتُ عليه قلتُ: يا أمير المؤمنين! لقد شقَّ عليَّ مركبي البريدَ
فقال: يا أبا سلام! ما أردتُ أن أشُقَّ عليك ولكن بلغني عنك حديث تحدثه عن ثوبان t
عن رسول الله e
في الحوض فأحببتُ أن تشافهني به، فقلتُ: حدثني ثوبان t أن رسول الله e قال: (حوضي مثل ما بين عدن إلى عمان –البلقاء-
ماؤه أشدُّ بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه
شَرْبة لم يظمأ بعدها أبداً، أول الناس وروداً عليه فقراءُ المهاجرين، الشُّعثُ
رؤوساً الدُنُس ثياباً، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتحُ لهم أبواب السُدَد([16])، فبكى عمر حتى أخضلت لحيته...)([17]).
قال ابن الجوزي (رحمه
الله) في مواعظه: حتى متى
يَبلغنا الوعاظ أعلام الآخرة! حتى كان النفوس عليها واقفة والعيونَ ناظرة، أقسم
بالله العظيم لو رأيتَ القيامة تخفق بأهوالها والنار مشرفة على آلها، وقد وضع
الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء لسَرَّك أن يكون لك في ذلك الجمع منزلة، أبعد
الدنيا دار مُعْتمَل([18])؟ أم إلى غير الآخرة مُنتقل هيهات، صُمَّتْ الآذان عن المواعظ، وذهِلت
القلوب عن المنافع، فلا الواعظ ينفع ولا الموعوظ ينتفع، هب الدنيا في يديك، ومثلها
ضُمَّ إليك، فإذا جاءك الموت فما في يديك؟ ما ينتظر من ابيضَّتْ شعْرَته بعد
سوادها، فرحم الله امرأ عَقل الأمر، وأحسن النظر، وهذه الدنيا كلها قليل والذي بقي
منها قليل، والذي لك من الباقي قليل ولم يبق من قليلك إلا القليل، وقد أصبحتَ في
دار العزاء، وغداً تصير إلى دار الجزاء)([19]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق