11‏/6‏/2013

العنف في سياسة الشعوب وآثاره السلبية


العنف في سياسة الشعوب وآثاره السلبية

 

قال تعالى: (( ... ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ... )) ([1]).

قال أبو بُردة (رحمه الله): (خرجتُ من عند عبيد الله بن زياد، فرأيته يعاقب عقوبة شديدة، فجلستُ إلى رجل من أصحاب النبي e فقال: قال رسول الله e: عقوبة هذه الأمة بالسيف)([2]).

عالم السياسة اليوم عالم شؤوم ابتلت به شعوب الشرق ابتلاءً عظيماً، وأخذ العراقُ من هذا الابتلاء حصة الأسد، والغريبُ في الأمر أن بعض السياسيين لم يتعلموا ولا اعتبروا بما جرَّه ظلمُ الشعوب على البلاد والعباد والحكام، فالتحريش على ناس دون آخرين والإقصاء والقسوة على جماعة دون آخرين إشارة إلى خراب البلاد والعباد.

ورحم الله محمد حبيب العبيدي القائل: (سلطتان تتنازعان النفوذ، والحربُ بينهما سجال، الدين والحكومات، ولو نظر دهاقين السياسة وجهابذة الدين إلى الغاية بعين واحدة وتجردوا عن الأغراض نفس طائفي وعُنوا بالجواهر

ومشوا على قدم واحدة لسلكوا بالمجتمع صراطاً مستقيماً، فلا يتم صلاح المجتمع من غير مبادئ دين صحيحة، ودساتير حكومةٍ صالحةٍ، فيا رجال السياسة والدين وحدّوا المسعى إن كنتم قوماً صالحين. إنكم مسؤولون عن هذا المجتمع المفتون، ثم إنكم من أوزاره لحاملون)([3]).

(كان عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله) نائباً للوليد بن عبدالملك على المدينة – قبل أن يليَ الخلافة- وقد ساسَهم سياسة صالحة، فقدم الحجاج من العراق وقد سامَهُم سوءَ العذاب، فسأل أهلَ المدينة عن عمر بن عبدالعزيز! كيف هيبتُه فيكم؟ قالوا: ما نستطيع أن ننظر إليه هيبة له، قال: كيف محبتُه لكم؟ قالوا: هو أحبُ إلينا من أهلينا، قال: كيف أدبُه([4]) فيكم؟ قالوا: ما بين الثلاثة اسواط إلى العشرة. قال الحجاج: هذه هيبتُه، وهذه محبته، وهذا أدبه!!! فهذا أمرٌ من السماء([5]). قلتُ: هو القائل - أي عمر- : (إنما هلك من كان قبلنا بحبسهم الحق حتى يشترى منهم، وبسطهم الظلمَ حتى يفتدى منهم)([6]).

 

كتب عبدالملك بن مروان يوماً إلى الحجاج - وكان عامله على العراق- (إن رأيك الذي يُسوِّل لك أنَّ الناس عبيدُ العصا هو الذي أخرج رجالاتِ العرب إلى الوثوب عليك، وإذا أخرَجتَ العامة بعنف السياسة كانوا أوشك وثوباً عليك عند الفرصة، ثم لا يلتفتون إلى ضلال الداعي ولا إلى هُداهُ إذا رَجَوا بذلك إدراك الثأر منك، وقد ولي العراقَ قبلك ساسة –وهم يومئذ أحمى أنوفاً وأقربَ من عمياء الجاهلية- وكانوا عليهم أصلح منك إليهم).

ولما شكا الحجاج سوء تصرف طاعة أهل العراق، قال له جامع المحاربي: أما إنهم لو أحبوك لأطاعوك على أنهم ما سَبّوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات يدك، فدع ما يباعدُهم عنك إلى ما يُقربهم إليك، والتمس العافية ممن دونك تعْطها مِمّن فوقك، وليكن إيقاعُك بعد وعيدك، قال الحجاج: والله ما أرُدَّ بني اللكيعة([7]) إلا بالسيف. فقال: أيها الأمير! عن السيفَ إذا لاقى السيفَ ذهب الخيار، قال الحجاج: الخيار يومئذ لله، قال: أجل، ولكنك لا تدري لمن يجعله الله)([8]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين () فان كان لكم كيد فكيدون )) ([9]).

 

الخطبة الثانية

قال المفكر الفرنسي الدكتور غوستاف لوبون: (لكل حادث يظهر – يعني في سياسة الأمة- أسبابٌ خفية اقتضته، ومن لم يستطع استكناهها فهو جاهل بفن السياسة)([10] (. و (إذا فقدتْ الحكوماتُ نفوذها أوشكتْ أن تفقِد كلَّ شيء)([11]). قال أبو بكر الطرطوشي (رحمه الله) لمحمد بن الوليد: (إن الرعية إذا قدرت على أن تقول قدرتْ على أن تفعل، فاجتهد ألا تقول، تسلم من أن تفعل). قال يزيد بن هبيرة يوصي المنصور: (إن أمارتكم بكرٌ ودولتكم جديدة، فأذيقوا الناس حلاوتها، وجنبوها مرارتَها، تخفُّ على قلوبهم طاعتكم وتسرعُ إلى أنفسهم محبتكم)([12]). سأل بزدجردُ بنُ بَهرام حكيماً: ما صلاح الملك؟ فقال: الرفق بالرعية، وأخذ الحق منها بغير عنف والتودد بالعدل وأمنُ السبُل وإنصاف المظلوم)([13]).



[1] [آل عمران: ١٥٩].
[2] [1347/ السلسلة الصحيحة].
[3] [ص128/ النواة في حقول الحياة/ محمد حبيب العبيدي].
[4] [أي: كيف يؤدب الجُناة؟].
[5] [ص314/ الكنز الأكبر/ عبدالرحمن الحنبلي].
[6] [ص311/ جـ5/ حلية الأولياء]
[7] [أي: اللؤماء].
[8] [ص142/ المختار من نوادر الأخبار/ للمقري].
[9] [المرسلات:38_39].
[10] [ص164/ جوامع الكلم].
[11] [ص165/ جوامع الكلم].
[12] [ص107/ جـ2/ سراج الملوك].
[13] [ص133/ الشهب اللامعة في السياسة النافعة/ أبي بكر القاسم عبدالله المالقي].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق