حرمة دم المسلم
عن عبدالرحمن بن عائذ (رحمه
الله): (انطلق عقبة
بنُ عامر الجُهَني إلى المسجد الأقصى ليصليَ فيه، فاتبَعهُ ناس، فقال: ما جاء بكم؟
قالوا: صُحبتكَ رسولَ الله e. أحببنا أنْ نسيرَ معك ونسلِمَ عليك، قال:
انزلوا فصَلوا، فنزلوا فصلى وصلوا معه، فقال حين سلمَ: سمعتَ رسول الله e
يقول: ليس من عبد يلقى الله عز وجل لا يشرك به شيئاً لم يَتندَّ([2]) بدم حرام إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء)([3]).
قبل أكثر من ثلاثة قرون قال المفكر الفرنسي فولتير: (يبدو أنَّ هناك
تحسناً في كل شيء في العالم عدا الإنسان. فقد ارتفعت أسعارُ كل شيء إلا الإنسان)([4]).
وقد ذكرني هذا الكلام بما حكاه أحمد حسين في كتابه مشاهداتي في جزيرة
العرب: (أن أحد الأعراب قتل أحدَ الحجاج فلم يجد معه سوى ريالٍ واحدٍ، فقيل له:
قتلتَ حاجاً من اجل ريال واحد؟ فأجابهم: الريال خيرٌ منه)([5]).
النفوسُ الفاسدة العقيدة، وذاتُ الضمائر الميتة والمأجورة، همها
مصلحتها الذاتية، مهما كان الثمن، والنفوس ذاتُ الضمائر الحية تحسِب لكل شيء
حسابَه.
حكى لي أحد الإخوة قال: كان القاضي ضياء شيت خطاب (رحمه الله) - رئيسُ
محكمةِ تمييز العراق- لا يصادق على حكم
إعدام أي شخص قبل لقائه وقيام ليل كامل يسأل الله فيه أن يَهْدِيَه إلى الصواب في
حكمه، وقد حُكِمَ على رجل بالإعدام وكانت جميع الدلائل تشير إلى جُرمه، ومع ذلك
طلبَ اللقاءَ به فلما مثل بين يديه، سأله عن حاله أمام هذا القرار، فأجابه: والله
أنا لم أقتل هذا الرجل ولكنني قتلتُ عشرين شخصاً غيره، فقال القاضي ضياء (رحمه الله): أرَحْتنا
وذلك بعد قيام الليل، وأعدِمَ الرجل)، (وكان القاضي رياض (رحمه الله)
يصلي ركعتين قبل جلسة المحكمة وبعدها).
قال عثمان t لغِلمانه يوم الدار: (من ألقى سلاحه فهو حُرّ)
وقال لمن حوله: (من سل سيفه فليس مني). وهذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوصي
ابنه الحسن t
بقوله: (إياك والدماءَ وسفكها بغير حِلها فإنه ليس شيٌ أدعى لنعمةٍ ولا أعظم تبعة
ولا أحرى بزوال نعمةٍ وانقطاع مُدّةٍ من سفك الدماء بغير حقها)([6]) و (ما أحببتُ منذ علمتُ ما ينفعني ويضرني أن أِليَ أمة محمد e
على أن يُهراقَ في ذلك مِحجم دم)([7]) وقد عمل الحسن t بوصية أبيه، فقال عن حقه في الخلافة: (...
وتركناه لله ولصلاح أمة محمد e ولحقن دمائهم)، (قتل المؤمن أعظم عند الله من
زوال الدنيا)([8]).
قالت الأميرة بديعة([9]): (أتذكر بعد وصاية الأمير عبدالاله -أخوها- على عرش العراق، دخل علينا يوماً
وقتَ الغداء وكان متألماً جداً، سألته أمّي عما به؟ فقال: هذه هي المرة الأولى في
حياتي أوقع فيها على إعدام إنسان، فمنذ أسبوع وأنا متردد وأماطل في التوقيع على
القرار أنه قاتل، وقد حكمت عليه المحكمة بذلك الحكم لينال جزاءًه العادل،
والحكومة تطالبني بإنفاذ القرار، اليوم وقعت على قرار إعدامه، إنني
أشعر بالذنب لأنني سأكون السبب في إنهاء حياته)([10]).
دماءُ البشر ثقيلة، عاقبتها قتلٌ أو حياة لا راحة فيها (لقد ظل شبح
الملك فيصل الثاني يلاحق قاتله([11]) بعد قتله العائلة المالكة، وفقد صوابه وأطلق رصاصة على رأسه منتحراً،
فأنهى حياته ليتخلص من العذاب)([12]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( ربنا لا تزغ قلوبنا
بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب )) ([13]).
الخطبة الثانية
عن
أبي برزة الأسْلمِي t
قال: (كنا عند أبي بكر الصديق t فغضب على رجل من المسلمين - قد أغلظ له- فرَّد
عليه، فاشتد عليه غضبه جداً، فلما رأيتُ ذلك قلت: يا خليفة رسول الله! أضربُ عنقه؟
فلما ذكرتُ القتلَ أضربَ عن ذلك الحديثِ أجمع إلى غير ذلك من النحو، فلما تفرقنا
أرسل إليَّ فقال: يا أبا برزة! ما قلتَ؟ - ونسيتُ الذي قلتُ- قلتُ: ذكرنيه؟
قال: أما تذكر ما قلتَ؟ قلتُ: لا والله، قال: أرأيتَ حين رأيتني
غضبت؟ُ على رجل فقلتَ: أضربُ عنقه يا خليفة رسول الله؟ أما
تذكر ذلك؟ أوكنتَ فاعلاً ذلك؟ قلتُ: نعم، والله، والآن إن أمرتني فعلتُ، قال:
والله ما هي لأحد بعد محمد e)([14]).
كتب
رجل إلى ابن عمر (رضي الله عنهما):
(أن أكتبْ إليَّ بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير ولكن إن استطعتَ أن تلقى
الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميصَ البطن من أموالهم، كافَّ
اللسان عن أعراضهم فافعل)([15]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق