العقل نعمة كبرى.. وزينة
يقولون: (العقل زينة) وهذا كلام صحيح، فالعقل زينة ونعمة كبرى من نِعم
الله على عبده يَعْرف بها ما له وما عليه من أوامرِ الله وأوامر رسوله e
فلا يبتلى بضلال بين يديه ولا من خلفه ما دام قد جعل نور الله بين عينيه، فإن أسقط
هذه النعمة –بإتباع هواه- فلا تسأل عن هلكتِه، وبيوتُ الناس اليوم فيها من البلايا
ما لا حصر لها، لأن أصحابها أسقطوا عقولهم وكفروا بنعمة الله عليهم.
حكت المهندسة الدكتورة نجوى عثمان –اختصاص تاريخ العمارة الإسلامية-
قالتْ: (وصلتُ إلى مسجد البلاط –في حلب- فقال لي أحد أبناء المِنطقة –وأشار إلى
طاقة في الجدار يعلوها قوس عثماني وبجانبها دكة- قال: هذه الدكة نفسُها جلس عليها
أبو عبيدة بن الجراح t
أكل مع أصحابه البُرغُل([3]) باللحم، سألتهُ: أبو عبيدة أكل البُرغُل على مَسطبة مسجدكم؟ قال:
نعم، [البرغل مسامير الرُكب] إذ كيف تمَكّن وأصحابه من فتح حلب؟ قلت: والكلام
للدكتورة: هل عرف العرب البرغل سنة 17هـ؟ إن كتب التاريخ تقول: إن الحلبيين عرفوا
البرغل من التتار حين استولوا على حلب سنة 658هـ أما أبو عبيدة t
فقد توفي عام 18هـ بطاعون عمواس، ودفن في فلسطين، والدكة أنشأت عام 1926م والمسجد
أنشأ في العهد العثماني سنة 1061هـ فمتى جلس أبو عبيدة والفاتحون على دكة هذا
المسجد وأكلوا البرغل!!!)([4]).
أين ذهب العقل في هذه الحكاية؟ إنه عقل غائب، والذي يتحدث إلى
الدكتورة لا وعي له. قال الأحنف بن قيس t: (إنْ أعْجَبْ لشيء فعَجَبي لرجال تنموا
أجسامهم وَتصْغُرُ عقولهم).
إن في حياتنا الاجتماعية رجال ونساء لا عقول لهم، تقع مظالمهم على
مَنْ حولهم من الأولاد بصورة عامة، وعلى بناتهم بصورة خاصة، قال مُطرِّف : (عقول
الناس على قدر زمانهم).
تعليق: على مواقف تدل على فساد العقل، في القضايا الاجتماعية:
1-إصرارُ بعض الآباء والأمهات
على مهر معين، وبناتهم بائرات .
2- ومن فساد العقل
منع الصغيرة من الزواج بحُجّة تصريف الكبيرات.
3- ومن فساد العقل طلب
الطلاق بسبب عدم شراء موبايل.
4- ومن فساد العقل إرسال
الأطفال من مستشفى الولادة إلى آبائهم بسبب الخصومات العائلية والامتناع عن الإرضاع.
5- ومن فساد العقل منع
الخاطب من خروج خطيبته إلا بأذنه.
6- ومن فساد العقل
قول بعضهم إذا خُطِبت فتاة: لا تكسبوا خطيئتها.
7- ومن فساد العقل
منع تزوج بعض البنات بحجة أن أختهن لم توفق في الزواج.
روى علي طنطاوي (رحمه
الله) قال: (جاءت مُدَرِّسة
لم يؤتها الله أيسَر حظ من الجَمال – في المحكمة- ومعها شاب أصغر منها جميلُ
الصورة مُكتمِلُ الشباب يريد أن تأتي بأبيها، فقالت: إنه ممتنع عن الموافقة على
هذا الزواج، وكان من كلامه أن البنت لا تسكن معه ولا تعطيه شيئاً من مُرتَّبها،
فقلتُ: هل أنتَ مُحتاج لهذا الراتب؟ قال: لا بحمد الله، ولكن يجب عليها أن تعطيَني
شيئاً لأِني أبوها، قلت: إذا كانت لا تسكن عندك فأين تسكن؟ قال: غَضَبُ الله
عليها، إنها تسكن مع هذا الشاب في دار اسْتأجَرَتها لها وله، قلت: وكيف سكتَّ عن
سكناه معها وليس زوجاً لها، ولا قريباً تحِلُّ له مُساكنُتها؟ قال: لقد عصت أمري،
ولم أقدر عليها، قلتُ: ولماذا لا توافق على زواجها به إذا كنت قد رضيتَ مُرغماً
على أن تقيم معه بالحرام، أفلا ترضى أن تقيم معه بالحلال؟ قال: لا، فوعظته فلم
يستمع وعَرَضْته على لجنة تحكيم فلم يقبل، فتبين لي أن مَقصَده كلَّه أن يمنع
زواجَ البنت ليستأثر براتبها فاستعملتُ حَقي فزوجتهما بالولاية العامة بعد أن تبين
أن الوليَّ الخاص عاضِل)([5]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( أرءيت الذي اتخذ إلهه هواه
أفأنت تكون عليه وكيلا () أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام
بل هم أضل سبيلا ))([6]).
الخطبة الثانية
قد يُقال: إن مثل هذه
الأمور تقع من الغوغاء وأهل الجهل، والحق أنَّ مثل هذه البلايا قد تقع من بعض من
يسمون أنفسهم (مُثقفين) الذين قصُرَ تفكيرهم، وبصيرتهم، ووعيهم، ويسمي العلماء هذه
الحالة [أمية الكبار].
أعجبني كلام قال أحد
العلماء قال: (أشدُّ الأشياء تأييداً للعقل، استخارة الله، ثم مشاورة العلماء،
وتجربة الأمور).
قال علي بن أبي طالب t: (طوال التجارب زيادة في العقل).
قالوا: (أثنى
مونتغمري([7]) على سَلفِه الذي قتل
فقال: إن مَثل هذا القائد مثلُ رجل في وسَطِ غابة اندلع فيها حريق فحالت أشجارها
الكثيفة دون أن يدركَ أبعاد الحريق حتى احترقتْ وأحرقته، ولو أنه اطلع على الغابة
مِنْ تلة مرتفعة لأدرك أبعاد الحريق فأنقذ الغابة ونجا بنفسه) [يجب أن يطلع الإنسان
–في الأمور المهمة - على الأبعاد الكلية للموضوع)([8]).
حكى الدكتور مهدي
عبدالأمير قال: (جاءتني امرأة برفقة زوجها تحمل طفلاً لم يَتعَدَّ الشهر الأول من
عمره تطلب مشورتي في نوع الحليب الذي ترومُ إعطاءه لطفلها. قلتُ: وما الذي دعاكِ
لهذا وأنتِ يبدو على ثدييكِ أنهما عامران بالحليب وإنك متنكزة الصدر؟ قالتْ: أجل
وهما يفيضان على الدوام ويُبلِلانِ ملابسي الداخلية ويُسببان لي إزعاجاً، قلتُ:
إنها نعمة الله وهِبة أنثوية وإنتاج رباني، الغذاء الأساسي للطفل الرضيع. قالت:
إنهما يُسببان لي تشويهاً في مظهري، فالتفتَ إليَّ زوجها وقال: أرحتني وأرحتَ
الطفلَ وأرحتها جزاك الله خيراً وانصرفنا)([9])
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق