16‏/6‏/2013

آثار المال الحرام


آثار المال الحرام

 
 
قال تعالى: (( يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلال طيبا ... )) ([1]).

من كلام نبينا e : (والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب إلى الجبل فيحتطبَ ثم يأتي به يحمله على ظهره فيبيعه فيأكلَ خيرٌ له من أن يسألَ الناس، ولأن يأخذ تراباً يجعله في فيه خير له من أن يجعل في فيه ما حَرَّم الله عليه)([2]).

حدثني أحد الأخوة: (أنَّ صديقاً له قال: منذ تمَّ تعييني – في دائرة ما- تمكنتُ من سرقة (500) دفتر([3])...).

أقول: حينما تشيعُ فاحشة ما في بلد ويعتادها الناس، يسقط حاجز الحياء منها، وقد يفتخرون بقبائحهم فيها وكأنها لون من ألوان الشجاعة والرجولة والفهم الذي لا يستطيعه كلُّ أحد، كالذي مَرَّ آنفاً، ونبينا e يقول: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال؟ أمِنْ حلال أم من حرام؟)([4]).

لم هذا التشديد في المال الحرام؟ الجواب!! قال كعبُ بنَ عجرة t قال لي رسول الله e: (يا كعب بنَ عجرة! إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا من سُحْت، النار أولى به...)([5]).

المال الحرام يحجب رحمة الله ويمنع إجابة الدعاء ويقسّي القلب، قال سهل التستري (رحمه الله): (مَنْ أكل الحرام عصت جوارحُه شاء أم أبي علم أو لم يعلم)([6]).

والمال الحرام لا بد أن يُرَدَّ نقداً أو نسيئة، قال أهل الحكمة: (أفقر الناس أكثرهم كسباً للحرام لأنه استدان بالظلم ما لا بد من رده)([7]).

قال الوزير ابن الفرات: (تأملتُ ما صار إلى السلطان من مالي فوجدته عشرة الاف دينار، وحسبت ما أخذته من الحسين بن عبدالله الجوهري فكان مثلَ ذلك)([8]).

عن أبي رافع t قال: (كان رسول الله e إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الاشهل فيتحدث عندهم حتى ينحَدِرَ([9]) للمغرب.. فبينما النبي e يسرع إلى المغرب مررنا بالبقيع فقال: أفٍّ لك، أفٍّ لك، فكبُر ذلك في ذرعي فاستأخرتُ وظننتُ أنه يريدني، فقال: ما لك؟ أمش، فقلتُ: أحدثتُ حدثاً؟ قال: ما ذاك؟ قلتُ: أففتَ مني،

قال: لا ولكنْ هذا بعثته ساعياً على بني فلان فغلَّ نمِرَة([10]) فادَّرَع الآن مثلها)([11]). لِمَا تقدم فقد حرص أهل الورع على الاحتياط فيما يأكلون ويتركون، صاحب الرسالة e قدوة الجميع.

عن أبي الجوزاء (رحمه الله): (قلت للحسن بن علي (رضي الله عنهما) ما تذكر من رسول الله e؟ قال: أذكر أني أخذتُ تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في فِيَّ([12])، فنزعها رسول الله e بلعابها، فجعلها في التمر، فقيل: يا رسول الله! ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟ قال: إنا آل محمد لا تحِل لنا الصدقة)([13]).

قلتُ: رحم الله الشيخ أمجد الزهاوي، فقد قصده رجلٌ ليكتب له توصية – وكان الشيخ في المحكمة- فأخرج من جيبه فلساً وقال للرجل: اشتر لي بهذا ورقة، فقال الرجل: يا شيخ هذه أوراق امامك فردَّ الشيخ ابني! هذا مال الدولة!!).

 هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ... قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ))([14]).

 

الخطبة الثانية

عن أم عبدالله شدادِ بن أوس (رضي الله عنهما): (أنها بَعَثت إلى النبي e بقدح لبن عند فِطره، وذلك في طول النهار وشدة الحر، فردَّ إليها رسولها، أنى لك هذا اللبن؟ فقالتْ: لبنٌ من شاةٍ لي، فردَّ إليها رسولها، أني لكِ هذه الشاة؟ قالتْ: اشتريتها من مالي، فشرب، فلما كان من الغدِ أتتْ أم عبدِ الله رسولَ الله e فقالتْ: يا رسول الله! بعثتُ إليك بذلك اللبن مَرْثيّة([15]) لك من طول النهار وشدة الحر فردَدْتَ إليَّ فيه الرسولَ، فقال رسول الله e: أمِرَتْ الرسلُ قبلي ألا تأكلّ إلا طيباً ولا تعملَ إلا صالحاً)([16]).



[1] البقرة: ١٦٨.
[2] مسند الإمام أحمد، 12/7490.
[3] الدفتر: عشرة الاف دولار – كما هو معلوم- .
[4] صحيح الجامع، 5344 . البخاري . أحمد.
[5] صحيح الترغيب والترهيب، 2/1729.
[6] درر الأقوال، محمد خير، ص25.
[7] سراج الملوك، الطرطوشي، ص286.
[8] الإدارة الإسلامية، محمد كرد علي، ص168.
[9] أي: يسرع قليلاً كمن يمشي في طريق مائلة.
[10] شملة من صوف.
[11] صحيح ابن ماجة، 1/831.
[12] أي: في فمي.
[13] صحيح الجامع الصغير، 1/2280.
[14] النساء: ٧٧ .
[15] أي: رقة ورحمة (كونه صائم).
[16] السلسلة الصحيحة، 1136 . مسند الإمام أحمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق