16‏/6‏/2013

غسيل الدماغ


غسيل الدماغ

 

قال تعالى: (( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ))([1]).

من كلام نبينا e: (من تشبه بقوم فهو منهم)([2]).

قال أبو مسعود الأنصاري (رحمه الله) لحذيفة بن اليمان t: أوصني! قال: (إن الضلالة حقَّ الضلالةِ إن تعرفَ ما كنت تنكر وتنكر ما كنت عرف...)([3]).

أقولُ: هذا الكلام الدقيق هو ما يُطلِق عليه علماءُ النفس [غسيلَ الدِماغ] وهو حملُ النفس على أنْ تستحسِنَ ما كان يُستقبحُ من أعرافها ودينها، أو تستقبحُ المسلماتِ التي بُنيتْ عليها قيمها الحضارية من خلال التكرار المُلِح لقيم الباطل بحيث تخلقُ في النفس الشعورَ بأن الآراء المفروضة عليها هي آراؤها الخاصة،


(وهذه عبودية عقلية - كما قال العلماء - وهي أشدُّ خطراً من العبودية الجسمية، لأن هذه لا تتعدى الأجسام والعَرَضَ وما يُرجى شفاؤه، أما تلك فحكمها حكم العقل إذا ذهب والروح إذا زهق. إن العلم لا وطن له أما الآداب والفنون والأذواق والأخلاق والتقاليد فهي قوام الأمم، ولا تنزل أمة عنها إلا إذا نزلتْ عن ذاتها وزلت عن مستواها)([4]). فبالقهر الإعلامي المسموم تزيف شخصية الأمة ويُقضى على هويتها.

قال أبو الحسن الندوي (رحمه الله): (حكى لي صديق قال: قلت لصديق لي هندوكي – وكان بروفسوراً- : لو طلبَ منا أحد أنْ نوجز له تعريفَ الإسلام لقلنا [إنه الإيمان بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)] وإذا ما سألكم أحدٌ أن توجزوا له تعريف الهندوكية فماذا تقولون؟ فقال بعد أن أجهد فِكرَهُ: يا أخي! الواقع، إن الذي لا يعتقدُ في شيء فهو هندوكي، والذي يعتقد في كل شيء فهو هندوكي كذلك). ولما سُئل رئيس وزراء الهند (جواهر لال نهرو) عن تعريف الهندوكي قال: (كل من أدعى الهندوكية فهو هندوكي)

ومع هذا تراهم يعتزون بتراثهم وعاداتهم وتقاليدهم لأنها جزء من حياة أمتهم، وهذا زعيم غاندي يقول: (إنني لا أريد أن ترتفع الجدران من كل جانب حول بيتي، إنني أريد أن تهُبَّ ثقافة كل الأرض حول بيتي، ولكنني أرفضُ أن تقتلعني أيُّ منها من جذوري).

قال أحد المفكرين الأجانب([5]): احذروا يا عرب يا مسلمون! أن تخلِطوا تصَوّراتكم بالتصورات الغربيةِ، فأنتم أهل حضارة عريقةٍ لها مقومات لا تملكها حضارتنا لا تتطلعون إلى الحضارة الغربية تطلع المُمّجدِ لها إنها ستبلى)([6]).

قال مالك بن نبي (رحمه الله): (الرجل الذي يعيش في مجتمع متخلف يَرُدُّ – بسبب عُقدة تخلفِه- ذلك لنقص ما لديه من مدافعَ وطائرات، وبذلك يُفقِدُ مُركبُ النقص لديه فاعِليته الاجتماعية، فينبغي أن يَرُدَّ تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى الأشياء)([7]).

 

وهذا الكلام هو عين كلام مونتكمري([8]) حيث قال: (لكي نخدِمَ بريطانيا ونفجر بأننا انكليز ليس من الضروري أن نملك قنابلََ ذرية فليست البلاد والتي تنقصها القنابل الذرية هي التي تدعى دولاً من الدرجة الثانية، بل ينبغي أن يطلق ذلك على البلاد والتي تعوزها المثل العليا...)([9]).

قال أحد الدعاة([10]): (كنتُ مع الشيخ المراغي([11]) (رحمه الله) فقال لي: لكي يعود المسلمون إلى الإسلام فلا بد أن يُسلِمَ الأجانب أولاً، فإذا دخل الأجانب في الإسلام قلدهم المسلمون)

قلت هذا المعنى قاله ابن خلدون (رحمه الله) قال (ان المغلوب أبداً مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده ويعتقد الكمال فيمن غلبه ) واختصر نبينا e هذا المعنى بكلمة واحدة (خالفوهم ) .

قال ابن مسعود (رضي الله عنه) (لا يشبه الزي ُّ الزيَّ حتى تشبه القلوبُ القلوبَ ولقد أصيب بغسيل الدماغ حتى بعض المثقفين من الشعراء وبعض أهل العلوم الشرعية لقوة فاعلية الغزو الفكري الذي سلط على هذه الامة).

 

قال الكاتب الكبير رضى توفيق (رحمه الله) - وكان من أشدِّ المعارضين  لسياسة السلطان عبدالحميد الثاني - وبعد عزل السلطان ووفاته عام 1918 ندِم أشدَّ الندم على مواقفه الخاطئة ورَثا السلطان معترفاً بالذنب قائلاً: (عندما يذكرُ التاريخ اسمك، يكون الحق في جانبك أيها السلطان العظيم، كنا نحن الذين افترينا دون حياء على أعظم سياسي العصر. قلنا: أن السلطان ظالمٌ وأن السلطان مجنون، قلنا: لا بد من الثورة على السلطان، وصدقنا كلّ!َ ما قاله لنا الشيطان)([12]).

قال ابن عطاء السكندري (رحمه الله): (أجهل الناس مَنْ ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ... ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ))([13]).

 

الخطبة الثانية

في عام 1989 اعتبر الفرنسيون أن أهمَّ حدثٍ في زيارة متران([14]) لتونس هو الإعلان عن بث قناة تلفزيونية مشحونةٍ بمشاهد الرذيلة والتي صدمت الرأي العام التونسي، ولأجل غسل دماغ المجتمع ليتقبلَ هذا الأمر قاموا بتحقيقات تآمرّية من جانب  واحد – جانب المؤيدين- مع غمز الجانب المخالف بسوء الفهم تارة، وقلة المعترضين تارة أخرى، قالت المُستَجوبة – تحت اسم مستعار- ومن المؤيدين لمشاهدِ التعري وبتبادل القبَل طالبة بكلية الآداب قال: (الأمر أبسط من البساطة لأن كل ما يحدث بين رجل وامرأة هو شيء طبيعي) وتعلق المستجوبة – بحماس- موقف واضح وصريح ويجد العديد من المساندين، أما المستجوبة الثانية فهي موظفة بإحدى وكالات السفر تقول وبوقاحة: (إنني أدعو إلى الإطالة في مثل هذه المشاهد لأنها تنعش الروح، واعتبر من يرفض هذه المشاهد هو إنسان مريض ومُعقد). ومستجوب آخر يقول: إن رَفضْ إدراج بعض المشاهد المثيرة هو من قبيل الجهل. والرابع يقول: (لقد أصبحْ ابنتي التي لم تبلغ بعد الأربع سنوات تتعامل مع هذه المشاهد بكل تلقائية وهذا مهم لتوازنها النفسي).

أما الأجوبة المعارضة فتوردها بصيغة كاريكاتورية واصفة إياها بالبساطة والجهل والتزمت، وتقول: وقد وردت على ألسنتهم نفس الحجة (الحفاظ على الأخلاق والحياء والحشمة).

صدق الذي قال:

لا يُحكم الصيادُ أشراكه       إلا إذا عكر بطن الغدير

جرت مقابلة مع بنات تونسيات تقول الفتاة : أنا أوربية أولاً، وفرنسية ثانياً، ومسلمة ثالثاً).

قال محمد على الحوماني: (ركبتُ الباخرة من أوربا إلى أمريكا، وكان في جواري شاب يحمل جنسية مغربية واسمه أبو الحسن، فقلتُ: أنا مسلم عربي فأنكر عليَّ أن يكون واحداً منهما وهو يتكلم العربية، ولما حججته بالاسم والله والجنسية قال: كان أبي وجدي كذلك، أما أنا فأفرنسي والحمدلله، فسألته عن سبب ذلك فقال: لأن العرب جهلاء لذلك خرجت من عنصرهم).

قلت: صدق الذي قال:

يُقضى على المرء في أيام محنته    حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن



[1] [الجاثية:18].
[2] [4/44/ أبو داود].
[3] [الإبانة/ ابن بطة/ ص90].
[4] [ص188/ وحي الرسالة/ أحمد حسن الزيات].
[5] [لويس روخاس].
[6] [ص277/ متعة الحديث/ عبدالله الداود].
[7] [ص48/ مجلة الأمة].
[8] [قائد انكليزي].
[9] [ص63/ بين العقيدة والقيادية/ محمود شيت خطاب].
[10] [حسن البنا].
[11] [شيخ الأزهر/ محمد مصطفى 1928].
[12] [ص42/ نظرات في روح العصر/ يسار محمد الدرزي].
[13] [المائدة: ٧٧].
[14] [رئيس الجهورية].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق