نعمة الأمن
قال تعالى: (( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها
رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا
يصنعون ))([1]).
من كلام نبينا e : (مَن أصبح منكم آمناً في سِربه، مُعافى في
بدنه، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزتْ له الدنيا بحذافيرها)([2]).
أسوأ لِباسين يمكن أن تبتلى بهما أمّة هما لِبَاسَا الجوع والخوف. وفي
حِكم الهند! (شرُّ البلاد ما ليس فيه خِصبٌ ولا أمن).
قيل لخُريم المُرّي (ما النعمة؟ قال: الأمن، فأني رأيتُ الخائف لا
ينتفع بعيش). قلتُ: صدق فقد قال الأولون: (لا عيش لخائف).
دُعي الملك فيصل الأول - ملك المملكة
العربية السعودية- إلى مؤتمر عالمي في
الولايات المتحدة، فسأله يهودي: سمعنا يا صاحب الجلالة أنكم تعاقبون السارق بقطع
يده، والزانيَ بالرجم وتلك عقوباتٌ همجية، فنظر الملك إليه وقال: (إن قسوة تلك
العقوبة التي أمر الله بها، هي التي حققت ما نطمح إليه من نشر الأمن، إذ يستطيع
أيُّ فردٍ أن ينتقل في بلادنا وهو آمن على نفسه وماله، لقد قرأتُ في صُحِفكم مئات
الحوادث التي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، فهل تعتقد صادقاً أن قطع يد شخصين أو
ثلاثة ثبتت عليهم جريمة السرقة - بلا مبرر- فسلم المجتمع وتحقق الأمن، هل هذا أفضل
أم قانونكم الذي ترتكب في ظِله أبشع الجرائم بدافع السرقة والاغتصاب؟ أما عقوبة
الرجم فقد أحاطها الإسلام بالإحترازات التي تجعل إقامة الحد فيها يكادُ يكون
مُتعَذِراً بالبينة ولم تطبق العقوبة في حكم الإسلام كله إلا بالاعتراف أفهذا أفضل
أم ما في مجتمعكم من مباذل أخلاقية استحي أن أشير إليها؟ فنكس اليهودي رأسه وضجت
القاعة بالتصفيق).
في أثناء الحرب العالمية الثانية ضُربَتْ سفينة حربية أمريكية بصاروخ
فغاصت في بحر اليابان، وبقي أحد ملاحيها ثلاثة عشر يوماً تحت الماء ومعه ماء وخبز
يابس، فلما خرج سالماً بعد إنقاذه سُئل! ما هي أكبر تجربة استفدتها؟
فقال: تعلمتُ في هذه الأيام المُخيفة أن من كان آمناً وعنده خبز وماء
فقد حاز ملك الدنيا)([3]). قال أهل الحكمة([4]): (الأمن يجمع الأماني كلها)([5]).
وقد ذكر التاريخ أن كِسرى أنوشروان قال لوزيره: أيُّ الفِراش ألذ؟
قال: الخزُّ([6]) المحشو بالريش، وكان بين يديه غلام من الحُجّاب، فقال: أيها الملك!
أتأذن لي في الكلام؟ قال: نعم، قال: ألذُّ الفِراش الأمن، قال: صدقتَ).
كثيراً ما كنت أسمع -أيام كان عمري ثلاثة عشر عاماً- الشيخَ بشير
الصقال (رحمه الله رحمة
واسعة) أسمعه يقول في دعائه
في آخر الخطبة: إلهنا! كم من نعمة أنعمت بها علينا قلَّ لكَ عندها شكرنا، وكم من
بلية ابتليتنا بها قلَّ لكَ عندها صَبرُنا، فيا ذا المعروف الذي لا ينقص أبداً، ويا
ذا النعماء التي لا تحصى عدداً ارحم ضعفنا واجمع شملنا يا أرحم الراحمين). هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( فليعبدوا رب هذا البيت ()
الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ))([7]).
الخطبة الثانية
حكى رجل قال: (كنتُ بناحية([8]) من نواحي الهند فانتهيتُ إلى قريةٍ فرأيتُ شيخاً في مسجد فسلمتُ إليه
رزمة ثيابي وقلتُ: تحفظها لي، فقال: دعها في المِحْرَاب، فتركتها ومضيتُ، وعدتُ من
الغدِ إلى المسجد فوجدته مفتوحاً ولم أرَ الشيخ ووجدتُ الرزمة في المِحْرَاب فإذا
بالشيخ قد رجع، فقلتُ: كيف خليتَ ثيابي؟ فقال: ما سؤالك؟ قلتُ: أحببتُ أن أعلمَ،
وأقبلتُ أخاصمه - وهو يضحك- قال: أنتم تعودتم أخلاق الأراذل، ونشأتم في بلاد الكفر
التي فيها السرقة والخيانة وهذا لا نعرفه ههنا، ولو بقيتْ ثيابك مكانها إلى أن
تبلى ما أخذها أحد غيرُك ولو مضيتِ إلى المشرق والمغرب ثم عُدتَ لوجدتها مكانها،
فنحن لا نعرف لِصاً ولا فساداً، قال: وسألتُ بعد ذلك عن سيرة أهل البلد فإذا هم لا
يغلقون أبوابَهم في الليل وليس لأكثرهم أبوابا إنما هي شرائح ترُدَّ الكلاب
والوحوش)([9]).
عن النعمان بن بشير t قال: ( كنا مع رسول الله e في سفر فخفق رجل على راحلته فأخذ رجل سهماً من
كنانته فانتبه ففزع فقال رسول الله e: لا يحل لرجل أن يروع مسلماً)([10]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق