العلاقة بين الراعي والرعية
عن أبي السَوّار العدوي t قال: (رأيت رسول الله e والناس يتبعونه، قال: فاتبعته معهم، قال:
ففجَئنِي القومُ يَسْعَون وأتى عليَّ رسولُ الله e فضربني ضربة إما بعسيبٍ أو قضيب أو سواكٍ أو
شيءٍ كان، فوالله ما أوجعني، قال: فبتُّ بليلة([2]) وقلت: ما ضربني رسول الله e إلا لشيء عَلِمَهُ الله U فيَّ وحدثتني نفسي أنْ آتِيَ رسولَ الله e
إذا أصبحتُ، فنزل جبريل u على النبي e فقال:
إنك راعٍ، لا تكسِرْ قرون رعيتك...)([3]).
قال علماء الاجتماع: (إن فتح الأرض لا يطول إن لم تُفتحْ قلوبُ أهلِها
بالإحسان لا بالإرهاب والإغراء، فليعتبر ذلك الراعي والرعية)([4]).
أقول: من حق الشعوب أن تطالبَ بحقوقِها وَفقْ القوانين المرعية، ومن
واجب الحكام إعطاءُ هذا الحق الذي لهم، وليس من حق الشعب أنْ يكون طلبُه بالقتل
وإراقةِ الدِماءِ وتخريبِ الممتلكاتِ العامة، كما أنه ليس من حق الحكومة السكوتُ
عن المظالم التي قد تؤدي آثارُها إلى خرابِ البلاد والعباد، ولا يسلم منها حاكم
ولا محكوم، ويصدق فيها قولُ دريد بن الصِّمة([5]):
فلم يستبينوا الرُّشدَ
إلا ضحى الغدِ
كتب الإمام الطرطوشي (رحمه الله): (...
أيها الملك الذي كتب الله عليه الغناء والعُمُرَ القصير كيف أرَدتَ أن يصفوَ لك من
الرعية ما لم يصف منهم لخالقهم ورازقهم ومحييهم ومييتهم، هيهاتَ هيهاتَ! بعيدٌ ما
أمَّلتَ ومستحيلٌ ما طلبتَ ولكَ في الله أسوة حسنة أن ترضى منهم بما رضي منهم
خالقهم،وتسير فيهم بسيرة ربهم فيهم...).
قال الإمام الطرطوشي (رحمه الله): (ينبغي
للسلطان أن لا يتخِذ الرعية مالا وقِنية([7]) فيكونو عليه بلاءً وفتنة، ولكن يتخذهم أهلاً وإخواناً فيكونون له
جنداً وأعواناً، وقد سبق المثلُ: إصلاح الرعية خير من كثرة الجنود)([8]).
قال الإمام علي بن أبي طالب t: (لا تكتم صيحات الشعوب بقوة النار والحديد
لكنها تسكت بالعدل)([9])، قال الخليفة المأمون العباسي، وقال: (بلوتُ رعيتي بالكرم والسيف
فكان الكرم فيها أنجح)([10]).
حَدَّث رجل من ثقيف قال: (استعملني علي بن أبي طالب t
على [عَكبَرا] – بلد في العراق- ولم يكن السواد([11]) يسكنه المصلون – أي المسلمون- فقال لي: لا تبيعنَّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاءٍ ولا
ضيف، ولا تضرنَّ رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم فإنا لم نؤمر بذلك، ولا تبيعنَّ لهم
دابة يعملون عليها، إنّا أمرنا أنْ نأخذ منهم العَفوَ، قال: إذن أجيئك كما ذهبتُ،
قال: وإنْ فعلتَ).
قال كونفوشيوس – حكيم الصين- : (إن الرعية إذا قدتها بالأحكام الصارمة
فستحاول التخلص منها – وهي غير مستحية من مخالفتها- وإذا قدتها بالفضائل وأصلحتها
بالآداب تستحي من ارتكاب الجرائم، وإن أول الأسس التي يعتمد الحاكم عليها هي ثقة
الرعية لأنها أساس قوة الحكم، وهو من غيرها إرهاب وقسر وعنت يولد الخوف).
قال هذا المعنى محمد حبيب العبيدي (رحمه الله): (ما
أهلك
أمة مثلُ فقدانِ الثقة ما بين رجالها، ولعلها كلمة عراقي مجرب).
أمة مثلُ فقدانِ الثقة ما بين رجالها، ولعلها كلمة عراقي مجرب).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ... وقال يا قوم لقد أبلغتكم
رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ))([12]).
الخطبة الثانية
قال أبو سعيد الثعلبي (رحمه الله): (لما
خرج إبراهيم ومحمد على أبي جعفر المنصور أرادَ أهلَ الثغور أن يعينوه عليهما
فأبَوا ذلك فوقع في يد ملك الروم الألوف من المسلمين أسرى، وكان ملك الروم يحب أن
يفاديَ بهم ويأبى أبو جعفر فكتب الإمام الأوزاعي (رحمه الله) إلى أبي
جعفر كتاباً جاء فيه: [أما بعد فإن الله تعالى استرعاك أمرَ هذه الأمة لتكون فيها
بالقسط قائماً وبنبيه e في خفض الجناح والرأفة متشبهاً، وأسأل الله
تعالى أن يُسكِنَ على أمير المؤمنين دهماء([13]) هذه الأمة ويرزقه رحمتها فإن سايحة المشركين غليت عام أول وموطؤهم
حريم المسلمين واستنزالهم العواتق والذراري من المعاقل والحصون، وكان ذلك بذنوب
العباد وما عفا الله عنه أكثر، لا يَلقون لهم ناصراً كاشفاتٍ عن رؤوسهن وأقدامهن
فليتق الله أمير المؤمنين وليتبع بالمناداة بهم ليخرج من حجة الله، فإن الله تعالى
قال لنبيه e:
(( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ... ))([14])، وقد بلغني عن رسول
الله e انه قال: [إني لأسمعُ بكاء الصبي – خلفي في
الصلاة- فأتجوَّزُ في الصلاة مخافة أن تفتتن أمّه]([15]) فكيف بتخليتهم في
أيدي عدوهم يمتهنونهم ويكشفون منهم ما لا نستحِله إلا بنكاح، وأنت راعي الله والله
تعالى فوقك ومسْتوفٍ منك يوم توضع: (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس
شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ))([16]).] فلما وصل إليه
كتاب الإمام الأوزاعي أمر بالفداء)([17]).
آخر الكلام: قال ابن
الجوزي (رحمه الله): (إياك أن تستطيل زمن البلاء فإنك مبتلى بالبلاد متعبدٌ بالصبر
والدعاء... فإذا أغلِقتْ عليك الأبواب فترقبْ من الفتاح فتح الباب فما سَدَّ الخلق
طريقاً إلا وفتحه الخالق إنفراداً بربوبيته وتعززاً بإلوهيته، فلا تقنط من رحمته
ولا تيأس من رَوْحِه وعليك بـ (( ... وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا )) ([18]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق