أمانة الحكم ورقابة الولاة
من
كلام نبينا e
: (إن الله سائلٌ كلَّ راع عما استرعاه حفِظ أمْ ضيّعَ حتى يُسأل الرجل عن أهل
بيته)([2]).
أمانة الحكم من أثقل الأمانات والصراع عليها من أخطر الصراعات، زهد
فيها سلف هذه الأمة وحرص عليها اليوم من لا يدرك عواقبها عند الله، طلبها أبو ذر t
فقال: (يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: فضربَ على منكبي ثم قال: يا أبا ذر! إني
أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزيٌ
وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها...)([3]).
كان أحد أمراء عُمان يأخذ
لحماً من قصاب فصار عليه الثمنٌ خمسمائة محمديّة (عملة فضية) فماطل بها فمضى
القصاب إلى الشيخ سليمان بن ناصر العماني فشكا إليه ما جرى فأعطاه الخمسمائة، فلما
كان يوم الجمعة تماسك الشيخ ومن معه عن الذهاب إلى المسجد، فلما هبط الإمام أحمد
بن سعيد
(الحاكم) إلى المسجد لم يَرَ الشيخ، فلما قضى الصلاة قصده فتصافحا فقال الإمام: لقد أوحشتَ الناس بتخلفك عن الصلاة فما عندك أخبرني؟ فأخبره عن صنيع أمير العسكر وقال له: هل يسعنا أن نصلي خلف إمام أهمل حق رعيته فصاروا يُظلمون ويُهضمون، فقال الإمام: طب نفساً فبعث الإمام إلى أمير العسكر، فلما أتاه قال له: يا خبيث! ما الذي فعلت؟ فتلجلج لسانه وكان يموت من الفزع فأمَرَ عليه بالقيد، وتسليم ما عليه من الحق للقصاب، فلما كان يوم الجمعة الثانية قال الشيخ للإمام: الآن طابت نفسي، فتفضل بإطلاقه من القيد والحبس، فقال الإمام: هيهات أن أطلِقه حتى تمضيَ عليه سنة من يومنا هذا، فمكث في الحبس سنة ثم أطلقه وعزله)([4]).
(الحاكم) إلى المسجد لم يَرَ الشيخ، فلما قضى الصلاة قصده فتصافحا فقال الإمام: لقد أوحشتَ الناس بتخلفك عن الصلاة فما عندك أخبرني؟ فأخبره عن صنيع أمير العسكر وقال له: هل يسعنا أن نصلي خلف إمام أهمل حق رعيته فصاروا يُظلمون ويُهضمون، فقال الإمام: طب نفساً فبعث الإمام إلى أمير العسكر، فلما أتاه قال له: يا خبيث! ما الذي فعلت؟ فتلجلج لسانه وكان يموت من الفزع فأمَرَ عليه بالقيد، وتسليم ما عليه من الحق للقصاب، فلما كان يوم الجمعة الثانية قال الشيخ للإمام: الآن طابت نفسي، فتفضل بإطلاقه من القيد والحبس، فقال الإمام: هيهات أن أطلِقه حتى تمضيَ عليه سنة من يومنا هذا، فمكث في الحبس سنة ثم أطلقه وعزله)([4]).
قال ابن عباس (رضي
الله عنهما): (دخلتُ على علي بن
أبي طالب t - وهو يخصِف نعله- فقال لي:
ما قيمة هذه النعل؟ فقلتُ: لا قيمة لها، فقال: والله هي أحبُّ إليَّ من إمرتكم إلا
أن أقيم حداً من حدود الله، أو أدفع باطلاً)([5]).
وأول أمانات الحكم استكفاء الأخيار في مراكز المسؤوليات، لئلا يظلموا
الناس فيكونَ ذلك إيذاناً بزوال الملك، وقد قال محمد مهدي البصير (رحمه الله): (لا
شيء أخطرَ على مجتمع من تباغض محكوميه وحكامه).
قال الخليفة العباسي المأمون: (ما فتق عليَّ فتقٌ في مملكتي إلا كان
سبُبه جَوْرَ العمال). وقد كتب والي خراسان إلى عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله) بعد
كثرة الشغب وانتشار الجريمة (أطلق يدي فيهم أؤدِّبهم، فرَدَّ عليه الجواب بقوله:
كذبتَ إنما يصلحهم العدل)([6]). وكتب المأمون في قصة متظلم من عامله محمد بن الفضل الطوسي: (قد
احتملنا بذاءَك وشكاسة خلقِكَ، أما ظلمُك للرعية فإنا لا نحتمله)([7]).
وقد حرص العقلاء على تثبيت دعائم ملكهم بحسن اختيار عمّالهم، قال
الربيع بن يونس([8]) للمنصور: (إن لفلان حقاً فإنْ رأيتَ أن تقضيه وتوليه ناحية فقال: يا
ربيع! إن لاتصاله حقاً في أموالنا لا في أعراض الناس وأموالهم، إن لا نولي للحرمة
والرعاية بل للاستحقاق والكفاية، ولا نؤثِرُ ذا النسب والقرابة على ذوي الدراية،
فمن كان منكم كما وصفنا شاركناه في أعمالنا...).
قال أبو موسى الأشعري t: (أقبلتُ إلى النبي e ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني
والآخر عن يساري - ورسول الله e يستاكُ- فكلاهما سألا العمل، قلتُ: والذي بعثك
بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرتُ أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر
إلى سواكه تحت شفته وقد قلصَتْ([9])، فقال رسول الله e: إنا لا أو لنْ نستعين على عملنا من أراده،
ولكنْ اذهب أنتَ فبعثه إلى اليمين ثم أردفه معاذ بن جبل t)([10]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( فوربك لنسألنهم أجمعين
() عما كانوا يعملون ))([11]).
الخطبة الثانية
قال
أهل الحكمة: (أسرع الخصال في هدم السلطان وإفساده إظهار المحاباة لقوم دون
قوم...). عن عبدالمطلب بن ربيعة t قال: (اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن
عبدالمطلب (رضي الله عنهما) فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين [قال لي وللفضل بن عباس (رضي الله عنهما)] إلى رسول
الله e
فكلماه فأمَّرَهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناسُ وأصابا ما يصيبُ الناس،
قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب t فوقف عليهما فذكرا له ذلك، فقال علي: لا تفعلا
فوالله ما هو بفاعل فانتحاه([12]) ربيعة فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة([13]) منك علينا، فوالله لقد نِلتَ صِهرَ رسول الله e فما نفِسنا عليك، قال علي: أرسلوهما فانطلقا
واضطجع علي t،
قال فلما صلى رسول الله e الظهر فسبقاه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء
فأخذ بآذاننا ثم قال: أخرجا ما تصَرِّران([14]) ثم دخل ودخلنا عليه - وهو يومئذ عند زينب بنت جحش (رضي الله عنها)- قال: فتواكلنا الكلامَ ثم تكلم أحدُنا فقال: يا رسول الله! أنتَ
أبرُّ الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمِّرنا على هذه الصدقات فنؤدي
إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون، قال: فسكتَ طويلاً حتى أردنا أن نكلمه.
قال: وجعلتْ زينب تلمِعُ([15]) إلينا من وراء الحجاب، أن لا تكلماه، قال: ثم قال: إن الصدقة لا
تبتغي لآل محمد e
إنا هي أوساخ الناس، أدعُو لي مَحْمِيّة([16]) ونوفلَ بن الحارث. قال: فجاءاه فقال لمَحْمِيّة: أنكح هذا الغلامَ
ابنتك فانكحه وقال لنوفل: أنكح هذا الغلام ابنتك([17]) [لي] فانكحني وقال لمَحْمِيّة: أصْدِق عنهما من الخمس كذا وكذا)([18]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق