9‏/6‏/2013

آل بيت النبي. وجوب حبهم وتقدير دورهم


آل بيت النبي e.. وجوبُ حبهم

وتقديرُ دورهم في الحفاظ على وحدة الأمة

 

 

قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( ... إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) ([1]).

قال يزيد بن حيان (رحمه الله): (إنطلقتُ أنا وحصينُ بن سَبْرَة وعمرُ بن أسلم إلى زيد بن أرقم t فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيد خيراً كثيراً، رأيتَ رسول الله e وسمعتَ حديثه، وغزوتَ معه، وصليتَ خلفه، حدِثنَا يا زيد ما سمعت من رسول الله e! قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرتْ سِني، وقدُم عهدي ونسيتُ بعض الذي كنت أعِي من رسول الله، فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله e يوما فيناً خطيباً بماء يدعى خُماً([2]) فحمد الله وأثنى ووعظ وذكَّرَ ثم قال: أما بعد! ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشكٌ أن يأتي رسولُ ربي فأجيبَ، وأنا تارك فيكم ثقلين([3]) أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا كتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورَغّبَ فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً)([4]).

في ذكريات العام الهجري الجديد نقول: حُبُّ آل بيت نبينا فريضة، والتخلق بأخلاقهم فريضة، وقد استلفت نظري من سيرة حياتهم أمران:

أولهما: زهدهم في مراكز الحكم وعالم السياسة.

وثانيهما: حرصُهم الشديد على وحدة الأمة، ما كانوا دعاةَ ضلالة وتفريق، إنما كانوا ضحية حق ما نالوه، وطالبوا أجر من ربهم استبقوه.

جاء في كتاب نهج البلاغة([5]) ما يأتي: (وكتب علي t إلى أهل الأمصار يذكر ما جرى بينه وبين أهل صفين [وكان بدءُ أمرنا أنا ألتقينا والقومُ من أهل الشام والظاهرُ أن ربَّنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة ولا نستزيدُهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله e ولا يستزيدوننا، الأمرُ واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه بَراء] و (... إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوبَ في القول، وأبلغَ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إياهم: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذاتَ بيننِا وبينِهم)([6]). وقد استجاب الله دعوته هذه t في عام الجماعة إذ تنازل الحسن t عن الخِلافة وقام فخطب فقال: الحمد لله الذي هدى بنا أوَّلكم وحقن بنا دماء آخِركم ألا إن أكيَسَ الكيْس التقى، وأعجزَ العجز الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفتُ فيه أنا ومعاوية أما أن يكون كانَ أحقَّ به مني، وإما أن يكون حقي فتركناه لله ولصلاحِ أمة محمد e وحقنِ دمائهم، ثم قرأ: (( وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين )) ([7]).

جاء في كتاب تلخيص الشافي للإمام الطوسي ما يأتي: روى الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (أنَّ رجلاً من قريش جاء إلى الإمام علي t فقال: سمِعتُك تقول في الخطبة آنفاً: اللهم أصلحنا بما أصلحتَ به الخلفاء الراشدين فمن هم؟ فقال: حبيباي وعماك أبو بكر وعمر t إماماً الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش من اقتدى بهما عُصِم، ومن اتبع آثارهما هُديَ الى صراط مستقيم).

 

أوثق العلاقات الأخوية كانت بين الخلفاء الراشدين وبين آل البيت (رضي الله عنهم أجمعين) قال ابن عباس (رضي الله عنهما): (لما وُضِع عمر t على سريره - بعد ما طُعِن – اكتنفه الناس يدعون ويصلون - وأنا فيهم- فلم يَرُعْني إلا رجل قد زحمني وأخذ بَمنْكبي فالتفتُّ فإذا عليُّ بن أبي طالب t فترحَّم على عمر t ثم قال: والله ما خلفتُ أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى اللهَ بمثل عمله منك، وأيمُ اللهِ إن كنتُ لأظنُّ ليجعلنَّك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنتُ كثيراً ما أسمع رسول الله e يقول: ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر، فكنتُ أظنُّ ليجعلنك الله مع صاحِبيك)([8]).

رحم الله شهاب بن خِراش القائل: (أدركتُ مَنْ أدركتُ مِنْ صَدَرَة هذه الأمة – وهم يقولون- أذكروا مجلس أصحاب رسول الله e ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرشوا عليهم ولذلك، لما قال رجلُ لابن عباس (رضي الله عنهما): أنتَ على ملة عليٍّ أم على ملة عثمان؟ قال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان (رضي الله عنهما) أنا على ملة رسول الله e)([9]).

وقد أعجبني جواب أحدِ أهل العلم لما قيل له: قتِل الحسين (عليه السلام) فما زاد على أن قال: (( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون )) ([10]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ))([11]).

 

الخطبة الثانية

قال الإمام الشعبي (رحمه الله): (رأى عليُّ t طلحة t في وادٍ ملقى فنزل فمسح التراب عن وجهه وقال: عزيز عليَّ يا أبا مُحمد أن أراك مُجندلاً([12]) في الأودية تحت أديم السماء، إلى الله أشكو عُجرَي وبُجَري([13])...). ولما دخل عِمران بن طلحة t على عليٍّ بعد ما فرغ من معركة الجمل، رحب به وأدناه، وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال فيهم: (( ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ))([14]).

ثم أخذ يسأله عن بيتِ طلحة فرداً فرداً وعن غلمانه، وعن أمهات أولاده، يا ابن أخيّ كيف فلان؟ كيف فلانة؟ ويستغرب رجلان من الذين لم يعرفوا شرفَ الصُحبة، ولم يدركوا ماذا يعني أن يكون الإنسان من أصحاب رسول الله e فقالا: الله أعدل من ذلك، نقتلهم بالأمس وتكونون إخواناً في الجنة!!! فغضب الإمام علي t وقال: قوُمَا أبعدَ أرض الله وأسْحَقها، فمن هو إن لم أكن أنا وطلحة فمن إذن؟؟؟)([15]).

هذه السماحة، وهذا الخلق الرفيع، ولهذا النسب الكريم روى علي t قال: (زارنا رسول الله e فبات عندنا والحسن والحسين (رضي الله عنهما) نائمان، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله e إلى قِربة لنا فجعل يعصرها في القدح ثم يسقيه، فتناوله الحسين (رضي الله عنهما) ليشرب فمنعه وبدأ بالحسن فقالت فاطمة (رضي الله عنها): يا رسول الله! كأنه أحبُّ إليك؟ فقال: لا، ولكنه استسقى أولَ مرة، ثم قال رسول الله([16]) e : إني وإياك وهذين وهذا الراقدُ - يعني علياً- يوم القيامة في مكان واحد)([17]).

اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم في كتابك العزيز : قال تعالى : (( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رءوف رحيم ))([18])

هذا هو الكلام الذي اعتقده واجب أن ألقى به ربي وخلاف هذا الكلام جوابه قال تعالى: (( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ))([19])



[1] [الأحزاب: ٣٣].
[2] [غيضة بين مكة والمدينة فيها غدير على ثلاثة أيام من الجُحفة].
[3] [لعظمهما].
[4] [1657/ صحيح مسلم].
[5] [ص448/ نهج البلاغة].
[6] [ص285/ جـ2/ سير أعلام النبلاء].
[7] [الأنبياء:111].
[8] [81/ صحيح ابن ماجة].
[9] [ص285/ سير أعلام النبلاء/ الذهبي].
[10] [الزمر:46].
[11] [الشورى :23].
[12] [مصروعاً].
[13] [أي سرائري وأحزاني التي تموج في صدري].
[14] [الحجر:47].
[15] [ص224/ طبقات ابن سعد – ص13/ جـ3/ حياة الصحابة].
[16] [يخاطب فاطمة].
[17] [3457/ السلسلة الصحيحة].
[18] [الحشر : 10].
[19] [الزمر : 46].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق