4‏/6‏/2013

حرمة القيم الدينية والغَيْرةُ عليها


حرمة القيم الدينية والغَيْرةُ عليها

 

قال تعالى: (( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا )) ([1]).

الاستهزاء بالإسلام وبنبينا e مرض ابتليَ به المنافقون في عصر الرسالة فأخزاهم الله ورفع مقامَ النبوة العظيم. وابتليَ العالمُ الغربيُّ بنفس المرض، ولا شفاء لهم منه إلا بدخولهم في دين الله أو نزول عيسى (عليه السلام).

حكى الدكتور عمر فروخ (رحمه الله) حادثة مع أستاذه المشرف أيام دراسته العليا في ألمانيا سنة 1936م قال: (كنتُ مرة في بيت أستاذي [يوسف هِلّ] أقرأ عليه فصلاً من رسالتي فمر في أثناء الكلام ذكر محمد رسول الله e

 فقال لي: يا عمر! أنت تكتب رسالة علمية وتقول محمدٌ رسول الله؟ قال الدكتور عمر فروخ: فطويتُ الأوراق التي بين يدي ونهضتُ قائماً فقال لي: لم فعلتَ ذلك؟ قلتُ له: لأنني أريدُ أن أرجع إلى بيروت.

فقال مُستغرباً: لماذا؟ قلتُ له: لا أريدُ أن أدرس عل يدي أستاذ يضيق صدره إذا أنا قلتُ: محمد رسول الله)([2]).

الغَيْرة الدينية من أكبر الدلائل على عافية الأمة وهي قيمة أخلاقية مرتبطة بالإيمان، وقد يتلبد الشعور تِجاه هذه القيم فيُحييه الحاقدون على الإسلام وأهله والمستهزئون بآيات الله وبرسوله e أن غَيْرَتنا الدينية ليست غيرةً خاصة بنبينا محمد e إنما نغار على كل رسل الله وأنبيائه، نغار على موسى وعيسى بن مريم وكافة النبيين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فحرمة الأنبياء واحدة في عقيدتنا الإسلامية (( ... لا نفرق بين احد من رسله ... )) ([3]).

وقد أعجبني ما حكاه محمد سعيد العَرْفي حيث قال: (حكى لي بعض الإخوان! أنه في سنة 1345هـ وصل مسمع الشبان المسيحيين في القاهرة، أن نادي جمعية الرأي الحُرّ أهان سيدنا المسيح عليه السلام علناً فهاج ثائرهم واجتمع فريق من طلاب المدارس الدينية فهجموا على قاعة الجمعية وأشبعوا الموجودين ضرباً بالعصي ثم راجعوا الشرطة من تلقاء أنفسهم معترفين بعملهم أن سببه الغَيرةُ على الدين)([4]).

وهذا حقهم، بل في ديننا لا يجوز سب آلهة المشركين لئلا يسبوا الله عدوا بغير علم، (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ... )) ([5]).

ولو أن العادون على حرمات الله ورسوله e اعتذروا لهان الأمر، لكنَّ أحقادَهم تمنعُهم من ذلك، والتشفي وصناعة الفتن والمؤامرات بعضُ نواياهم، وصدق من قال:

     بني تيم ألا فانهوا سفيهكمُ

                                  إن السفيه إذا لم يُنه مأمورُ

موقف أعجبني: في 13 آب عام 2011م بث برنامج [ستار كينغ] الكوري لقاءً مع أحد المغنيين الذي قام بعد انتهائه من الأغنية بخلع ملابسه ليفاجئ الجمهورَ بارتدائه ملابس عربية، وإمساكه ببندقية بلاستيكية وجهها مباشرة إلى مذيع البرنامج ليهاجمه، ممثلاً بذلك رجلاً مسلماً يحاول القتل. قال كاتب بريطاني: فما الذي حدث؟ قطِعَ بَثُّ القناة بأكملها من الأقمار الصناعية، وبعد سبع دقائق فقط ظهر وزير الإعلام الكوري يعتذر للمسلمين كافة عن هذا الخطأ، وألقى باللوم على ثقافة الضيف القليلة تِجاه الديانة الإسلامية، وقدم اعتذاراً ثانياً للملكة العربية السعودية).

حكى لي أحد الأخوة([6]) قال: (في سنة 1988م كنتُ مع الوفد العراقي في ديار بكر لتثبيت الدعامات الحدودية بين البلدين، وفي أثناء جَلسة ليلية قدِّم لنا الخمر، وطُلِبَ مني احتساءُ القدح الذي أمامي فقلتُ: نحن لا نشرب المحرمات، فقال رئيس المؤتمر للقنصل العراقي – وكان من أهالي كركوك- لماذا لا يشرب هذا الأستاذ قدحاً واحداً لغرض المجاملة؟ فأجابه القنصل العراقي –وبناء على طلبي- نحن المسلمون لا نجامل أحداً على حساب ديننا فأمر المسؤول التركي برفع كلِّ الخمر وقال لي: إنك الآن في مؤتمر ولا تستطيع مغادرته وعليه نحن نقومُ بإزالة هذا النَجِس من أمامنا ونشكُركَ على هذه الملاحظة، وسنقوم بتثبيت ذلك في مؤتمراتنا في المستقبل).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا بهي ستهزءون )) ([7]).

 

الخطبة الثانية

عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (...ما انتقم رسول الله e لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله (عز وجل))([8]).

لا يفوتنا في هذا المقام أن نُذكّرَ بغياب الغيرة الدينية –عند بعض من ينتمون للإسلام- بكثرة الاستهزاء بقيم الإسلام وأهله، واستخدام ألفاظ الكفر، واللهَج([9]) بالنكت الدينية، وهذه ظاهرة نفاق في القلب، وضعف في الإيمان.

قال أحد الدعاة: (لستُ آسى على شيء فقدناه من ماضينا أكثر من مظاهرِ احترام الدين، والحياءِ منه).

 

وقد أشار إلى هذا المعنى حذيفة بن اليمان t فقد (أخذ حصاةً بيضاء فوضعها في كفهِ ثم قال: إن الدين قد استضاءَ إضاءة هذه، ثم أخذ كفاً من تراب فجعل يَذره على الحصاة حتى واراها ثم قال: والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدين هكذا كما تدفن هذه الحصاة)([10]).

قالت أسماء (رضي الله عنها) لابنها عبدالله بن الزبير: (إياك أن تعطي خصلة من دينك مخافة القتل)([11]).

لما أسِرَ الشيخ سعيد النورسي في الحرب الروسية مع الأتراك، دخل القيصر على السجناء بعد أنْ أمروهم أن يركعوا له، فأبى النورسي (رحمه الله) فأمر ابن القيصر بإعدامه، وحينما قرأ القيصر سبب الإعدام قال: احضِروا إلي هذا الأسير، فلما أحْضِر وسأله، قال النورسي: إنني لن أنحني إلا لله، فقال القيصر: لن تغلب أمة فيها أمثال هذا الشجاع.

 



[1] [الفرقان:41].
[2] [ص96/ غبار السنين/ عمر فروخ . ص12/ لماذا يزيفون التاريخ/ إسماعيل الكيلاني].
[3] [البقرة: ٢٨٥].
[4] [ص144/ سر انحلال الأمة العربية].
[5] [الأنعام: ١٠٨].
[6] [الأخ: مروان أبو عامر].
[7] [الأنعام:10].
[8] [1546/ مسلم]
[9] [المُداومة والمثابرة على الشيء].
[10] [ص41/ مجلة الوعي الإسلامي/ عدد 485/ محرم/ شباط/ 1427هـ/ 2006م].
[11] [ص196/ الصفوة].

العقل نعمة كبرى.. وزينة


العقل نعمة كبرى.. وزينة

 

قال تعالى: (( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون )) ([1]).

من كلام نبينا e : (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزلُ فيها الجهلُ، ويُرفعُ فيها العلمُ...)([2]).

يقولون: (العقل زينة) وهذا كلام صحيح، فالعقل زينة ونعمة كبرى من نِعم الله على عبده يَعْرف بها ما له وما عليه من أوامرِ الله وأوامر رسوله e فلا يبتلى بضلال بين يديه ولا من خلفه ما دام قد جعل نور الله بين عينيه، فإن أسقط هذه النعمة –بإتباع هواه- فلا تسأل عن هلكتِه، وبيوتُ الناس اليوم فيها من البلايا ما لا حصر لها، لأن أصحابها أسقطوا عقولهم وكفروا بنعمة الله عليهم.

حكت المهندسة الدكتورة نجوى عثمان –اختصاص تاريخ العمارة الإسلامية- قالتْ: (وصلتُ إلى مسجد البلاط –في حلب- فقال لي أحد أبناء المِنطقة –وأشار إلى طاقة في الجدار يعلوها قوس عثماني وبجانبها دكة- قال: هذه الدكة نفسُها جلس عليها أبو عبيدة بن الجراح t أكل مع أصحابه البُرغُل([3]) باللحم، سألتهُ: أبو عبيدة أكل البُرغُل على مَسطبة مسجدكم؟ قال: نعم، [البرغل مسامير الرُكب] إذ كيف تمَكّن وأصحابه من فتح حلب؟ قلت: والكلام للدكتورة: هل عرف العرب البرغل سنة 17هـ؟ إن كتب التاريخ تقول: إن الحلبيين عرفوا البرغل من التتار حين استولوا على حلب سنة 658هـ أما أبو عبيدة t فقد توفي عام 18هـ بطاعون عمواس، ودفن في فلسطين، والدكة أنشأت عام 1926م والمسجد أنشأ في العهد العثماني سنة 1061هـ فمتى جلس أبو عبيدة والفاتحون على دكة هذا المسجد وأكلوا البرغل!!!)([4]).

أين ذهب العقل في هذه الحكاية؟ إنه عقل غائب، والذي يتحدث إلى الدكتورة لا وعي له. قال الأحنف بن قيس t: (إنْ أعْجَبْ لشيء فعَجَبي لرجال تنموا أجسامهم وَتصْغُرُ عقولهم).

إن في حياتنا الاجتماعية رجال ونساء لا عقول لهم، تقع مظالمهم على مَنْ حولهم من الأولاد بصورة عامة، وعلى بناتهم بصورة خاصة، قال مُطرِّف : (عقول الناس على قدر زمانهم).


تعليق: على مواقف تدل على فساد العقل، في القضايا الاجتماعية:

1-إصرارُ بعض الآباء والأمهات على مهر معين، وبناتهم بائرات .

2- ومن فساد العقل منع الصغيرة من الزواج بحُجّة تصريف الكبيرات.

3- ومن فساد العقل طلب الطلاق بسبب عدم شراء موبايل.

4- ومن فساد العقل إرسال الأطفال من مستشفى الولادة إلى آبائهم بسبب الخصومات العائلية والامتناع عن الإرضاع.

5- ومن فساد العقل منع الخاطب من خروج خطيبته إلا بأذنه.

6- ومن فساد العقل قول بعضهم إذا خُطِبت فتاة: لا تكسبوا خطيئتها.

7- ومن فساد العقل منع تزوج بعض البنات بحجة أن أختهن لم توفق في الزواج.

 

روى علي طنطاوي (رحمه الله) قال: (جاءت مُدَرِّسة لم يؤتها الله أيسَر حظ من الجَمال – في المحكمة- ومعها شاب أصغر منها جميلُ الصورة مُكتمِلُ الشباب يريد أن تأتي بأبيها، فقالت: إنه ممتنع عن الموافقة على هذا الزواج، وكان من كلامه أن البنت لا تسكن معه ولا تعطيه شيئاً من مُرتَّبها، فقلتُ: هل أنتَ مُحتاج لهذا الراتب؟ قال: لا بحمد الله، ولكن يجب عليها أن تعطيَني شيئاً لأِني أبوها، قلت: إذا كانت لا تسكن عندك فأين تسكن؟ قال: غَضَبُ الله عليها، إنها تسكن مع هذا الشاب في دار اسْتأجَرَتها لها وله، قلت: وكيف سكتَّ عن سكناه معها وليس زوجاً لها، ولا قريباً تحِلُّ له مُساكنُتها؟ قال: لقد عصت أمري، ولم أقدر عليها، قلتُ: ولماذا لا توافق على زواجها به إذا كنت قد رضيتَ مُرغماً على أن تقيم معه بالحرام، أفلا ترضى أن تقيم معه بالحلال؟ قال: لا، فوعظته فلم يستمع وعَرَضْته على لجنة تحكيم فلم يقبل، فتبين لي أن مَقصَده كلَّه أن يمنع زواجَ البنت ليستأثر براتبها فاستعملتُ حَقي فزوجتهما بالولاية العامة بعد أن تبين أن الوليَّ الخاص عاضِل)([5]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( أرءيت الذي اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا () أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ))([6]).

 

الخطبة الثانية

قد يُقال: إن مثل هذه الأمور تقع من الغوغاء وأهل الجهل، والحق أنَّ مثل هذه البلايا قد تقع من بعض من يسمون أنفسهم (مُثقفين) الذين قصُرَ تفكيرهم، وبصيرتهم، ووعيهم، ويسمي العلماء هذه الحالة [أمية الكبار].

أعجبني كلام قال أحد العلماء قال: (أشدُّ الأشياء تأييداً للعقل، استخارة الله، ثم مشاورة العلماء، وتجربة الأمور).

قال علي بن أبي طالب t: (طوال التجارب زيادة في العقل).

قالوا: (أثنى مونتغمري([7]) على سَلفِه الذي قتل فقال: إن مَثل هذا القائد مثلُ رجل في وسَطِ غابة اندلع فيها حريق فحالت أشجارها الكثيفة دون أن يدركَ أبعاد الحريق حتى احترقتْ وأحرقته، ولو أنه اطلع على الغابة مِنْ تلة مرتفعة لأدرك أبعاد الحريق فأنقذ الغابة ونجا بنفسه) [يجب أن يطلع الإنسان –في الأمور المهمة - على الأبعاد الكلية للموضوع)([8]).

حكى الدكتور مهدي عبدالأمير قال: (جاءتني امرأة برفقة زوجها تحمل طفلاً لم يَتعَدَّ الشهر الأول من عمره تطلب مشورتي في نوع الحليب الذي ترومُ إعطاءه لطفلها. قلتُ: وما الذي دعاكِ لهذا وأنتِ يبدو على ثدييكِ أنهما عامران بالحليب وإنك متنكزة الصدر؟ قالتْ: أجل وهما يفيضان على الدوام ويُبلِلانِ ملابسي الداخلية ويُسببان لي إزعاجاً، قلتُ: إنها نعمة الله وهِبة أنثوية وإنتاج رباني، الغذاء الأساسي للطفل الرضيع. قالت: إنهما يُسببان لي تشويهاً في مظهري، فالتفتَ إليَّ زوجها وقال: أرحتني وأرحتَ الطفلَ وأرحتها جزاك الله خيراً وانصرفنا)([9])



[1] [الأنفال:22].
[2] [2547/ السلسلة الصحيحة].
[3] [جريش خشن من الحنطة المسلوقة].
[4] [ص11-12/ مكابرات لطيفة مواقف طريفة في إحياء حلب والقيروان].
[5] [ص293/ جـ4/ ذكريات].
[6] [الفرقان:43_44].
[7] [قائد قوات الحلفاء في معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية].
[8] [ص112/ منهج التغيير ضوابط ومعايير/ د. ناصر بن سليمان العمر].
[9] [ص233/ مذكرات وخواطر طبيب].