8‏/6‏/2013

لا ترم سهما يعجزك رده


لا ترم سهما يعجزك رده

 

قال تعالى: (( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا )) ([1]).

كان من دعاء نبينا e : (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر فِيَّ...)([2]).

من كلام أهل الحكمة: (لا ترْم سهماً يُعجزك رَدُّهُ ولا تفتح باباً يُعييك سَدُّه)([3]).

قال محمد الغزالي (رحمه الله): (ما رأيتُ أذهَبَ بالرُّشْد، وأجلبَ للضُرِّ، وأقتلَ للتقوى من اللسان السائب، لقد بلوت الكثير من متاعب الناس الخُلقِيّة والاجتماعية فوجدتها تعود إلى كلام تنقصُه الرَّويّة([4])، وأحْكامٍ ينقصُها السَّداد([5]))([6]).

في الأثر الصحيح: (أن نبي الله صالح u بعث مُصدِّقاً إلى الطائف فوجد رجلاً في غنمه قريبة من المائة شصاص([7]) إلا شاة واحدة، وابنٌ صغيرٌ له، فلبنُ تلك الشاةِ عيشُه، فقال صاحب الغنم: من أنت؟ فقال: أنا رسولُ رسول الله e فرحب وقال: هذه غنمي فخذ أيَّها أحببتْ، فنظر إلى الشاة اللبون، فقال: هذه، فقال الرجل: هذا الغلام - كما ترى- ليس له طعام ولا شراب غيرُها، فقال: إن كنتَ تحب اللبن فأنا أحبُّه، فقال: خذ شاتين مكانَها فأبى، فلم يزل يَزيدُه ويبذل حتى بذلَ له خمسَ شياهٍ شصاصٍ مكانها فأبى عليه، فلما رأى ذلك عَمَدَ إلى قوسه فرماه فقتله)([8]).

قال عبدالجبار بن خالد (رحمه الله): (كل كلمة لم يَتقدَّمْها نظر فالكلام فيها خطر وإن كانت من أسباب الظفر).

ذكر التاريخ: (أن أبا بلالٍ –مرداساً- الخارجي مَرَّ يوماً بجماعة من قومه في ناديهم على فرس له فوقف وسَلم فقال شابٌّ منهم: فرسُكَ حروريّ؟ (يستهزئ) فقال أبو بلال: وددتُ والله أني أوطأتهُ بَطنَك في سبيل الله، فقال الفتى لأصحابه: إنني مقتول، قالوا: لا تخف، فمشتْ إليه جماعة منهم بالفتى، فقالوا: يا أبا بلال! زلة كانت فاصغ عنها، قال: قد فعلتُ ولكن يا فتى! إذا كنت في مجلس فأحسِن حُملانَ رأسك)([9]).

قال بعض الأعراب لرجل يعظه: (إياك أن يضربَ لسانُك عُنقك)([10]).

قال الصفدي (رحمه الله): (بعث اماجور التركي –أميرُ دمشق أيام الخليفة المعتمد- جندياً إلى أذرعات في رسالة، فنزل اليرموكَ فصادف أعرابياً في قرية، فجلس الجندي إليه، فمدَّ الأعرابي يده ونتف من سبال([11]) الجندي خصلتي شعر، وعاد الجندي إلى دمشق وبلغ الخبرُ اماجور فدعاه وسأله عن القِصة، فاعترف فحبسه –وركب بنفسه إلى اليرموك- وأخذ الأعرابيَّ مكتوفاً ودخل دمشق وقال له: ما حَمَلك على ما فعلت برجل من أولياء السلطان؟ قال: كنتُ سكراناً لم أعقِل، فأمر بنتفِ كل شعرةٍ فيه من أجفانه ولحيته ورأسه وما ترك على جسمه شعرة، وضربه ألف سوط وقطع يديه ورجليه، وصلبه، وأخرج الجندي من الحبس، وضربه مائة سوط وطرده من الخدمة، وقال: أنت ما دافعتَ عن نفسك فكيف تدافع عني!!!).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( يايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ))([12]).

 

الخطبة الثانية

قال سفيان بن عبدالله t : (... قلت: يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسانِ نفسه ثم قال: هذا)([13]).

ولذلك جمع أكثم بنُ صيفي بنيه فقال لهم: (يا بنيَّ! إن الدهر قد أدبني، وقد أحببتُ أن أؤدبكم وأزوّدَكم أمراً يكون لكم بعدي مَعقِلاً يا بني! كفوا ألسنتكم فإن مَقتل الرجل بين فكيه).

وقد اجتمع قِسُّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدتَ في ابن آدم من العيوب؟ قال: هي أكثر من أن تحصى غيرَ أنّ به خَصْلة لو استعملها سترتْ سائرَ عيوبه، قال: ما هي؟ قال: حفظُ اللسان)([14]).

 

قال الوزير العباسي عبيد الله بنُ سليمان: (لما دخل صاعد([15]) بن مُخَلد عليَّ وعلى أبي ليناظرنا –ونحن في حبس الموفق- قمنا وتلقيناه فخاطب أبي بجميل وتجهّمني بقبيح وجعل لا يخاطبني إلا باسمي ويقول: يا عبيدالله فلما أكثر عليَّ آلمني ذلك فقلت له: أنا عبيدالله بن سليمان بن وَهْب بنُ سعيد نتصرف في خدمة السلطان منذ خمسين ومائة سنة، ونتقلب في جلائل الأعمال وأنت صاعد بن مُخلد مُخلد من أبوه؟؟؟ فكان هذا من أكبر ما أحْفظه عليَّ حتى تناهى في مَكارهي، وكان أبي يلومني على ذلك ويقول: سبيل الإنسان في المِحن أن يتطأطأ لها ويَذِلَّ لوقوعِها ولا يُغالبُها، ولم تكن نفس أنا تطاوعني على ذلك، وكان من أضر الأمور عليَّ وكان الحزم من أبي دوني)([16]).



[1] [الإسراء:53].
[2] [1292/ صحيح الجامع].
[3] [ص133/ تسهيل النظر/ الماوردي].
[4] [النظر والتفكر في الأمور].
[5] [أي: صواباً واستقامة].
[6] [ص546/ هكذا علمتني الحياة/ علاء الدين آل رشي].
[7] [أي: قليلة اللبن].
[8] [2272/ جـ4/ صحيح ابن خزيمة].
[9] [ص225/ طبقات المشايخ بالمغرب/ أحمد الدرجيني].
[10] [ص234/ المجالسة وجواهر العلم/ أحمد أبو بكر المالكي].
[11] [شعر الشارب].
[12] [الأحزاب:70].
[13] [2412/ الترمذي].
[14] [ص359/ مواقف وعبر/ د.محمد داود].
[15] [وزير عباسي].
[16] [ص268/ المختار من النشوار/ التنوخي].

6‏/6‏/2013

الحياة الزوجية.. مشاكل وحلول


الحياة الزوجية.. مشاكل وحلول

 

قال تعالى: (( ... وأتمروا بينكم بمعروف ...)) ([1]).

العائلة أساسُ التكوين الاجتماعي لكل أمة، إن كان أساسُها صالحاً صَلحت الأمة، ولا أعتقد بوجود بلد إسلاميٍّ تخْلق فيه المشاكلُ الاجتماعية خلقاً لا موجب له كما هي في هذا البلد المضطرب. والذي يتابع أخبار محكمة الأحوال الشخصية يرى العجب العجاب، وقد يُحَدِّثُ نفسه ويقول مائة عقد زواج يقابلها خمسون طلاقاً أو يزيد؟ أليست هذه كارثة اجتماعية؟ أين ذهبت عقول الرجال؟ ما أسباب ذلك؟ وما العلاج؟

في قواعد الصحة العامة، يُقال: الوقاية خير من العلاج. وهذا الكلام ينطبق على علاج مشكلات الزواج الفاشل تمام الانطباق.

أما أول الأسباب: فسوء الاختيار من الوجهة الشرعية، فقد كان من قبلنا يبحثون عن الدين والخلق والنسب الأصيل، وهم اليوم يبحثون عن المال والجمال ورسول الله e يقول: (تخيروا لنطفكم...)([2]). وقد أعجبني قول من قال لأولاده: (يا بَنيَّ! قد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا، قالوا: كيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترتُ لكم من لا تسَبون بها).

السبب الثاني: فساد الابتداء في الحياة الزوجية، فقد ألزم سلفنا الصالح (رضي الله عنهم) بناتِهم وأبناءَهم أدب الحياة الزوجية الصحيحة قبل دخولهم عليها، فهذه أسماء بنت خارجة الفزاري أوصتْ ابنتها عند زفافها قالت لها: (إنك خرجتِ من العش الذي درجت فيه إلى فراش لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضاً يكن لك سماءاً وكوني له مهاداً يكن لكِ عماداً، وكوني له أمة يَكنْ لكِ عبداً، ولا تلحّي عليه فيكرهَك ولا تبتعدي عنه فينساك)([3]).

قال أحد الآباء لابنه يوم زفافه: (يا بُني! إن الزوجة التي تترك أباها وأمها وإخوانها لتلحق بك فمن الحق أن ترى فيك رأفة الأب وحُنوَّ الأم ورفق الأخ).

السبب الثالث: تدخل أهل الزوجين في كل صغيرة وكبيرة، قال علي طنطاوي (رحمه الله): (نظرت في أكثر من عشرين ألفَ قضية خِلاف زوجي وصارت لي خبرة أستطيع أن أؤكد القول معها بأنه لو تُرِكَ الزوجان المختلفان ولم يدخل بينهما أحد من الأهل ولا من أولاد... الحلال لانتهت بالمصالحة ثلاثة أرباع قضايا الزواج)([4]).

روى أهل الحديث: (أن معقل بن يسار t زّوجَ أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله e فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجْعها حتى انتهت العدة فهوِيَها وهوِيَته ثم خطبها مع الخُطاب فقال له: يا لكع!([5]) أكرمتك بها وزوّجْتكها فطلقتها؟ والله لا ترجع إليك أبداً، آخر ما عليك، قال: فعلِمَ الله حاجتها إلى بعلها فأنزل تبارك وتعالى: (( وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الأخر ذلكم أزكى لكم واطهر والله يعلم وانتم لا تعلمون ))([6]). فلما سَمعها معقل t دعاه وقال له: أزوِّجُك وأكرمُك)([7]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( ذلك امر الله انزله اليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا ))([8]).

 

الخطبة الثانية

السبب الرابع: الجهل بالحقوق الزوجية التي احكمتها شريعة اللعه لكلا الطرفين وقلة الفقه بأدب الإسلام، والاعتماد على تفاهات ما تنشره بعض وسائل الإعلام المُخربة والهادمة لجميع مقومات الأسرة المسلمة، حكى أحد المستمعين إلى وعظ الشيخ إبراهيم بن عمر الجزائري قال: (رجعت في ليلة الوعظ بعد تراويح رمضان ففتحتْ زوجتي الباب وأكبت برأسها على صدري قلتُ: بسم الله! دعيني أدخل الدار! فرفعت رأسَها وبَكتْ وقالتْ: لا والله لن أترككَ تدخل الدار حتى تخبرني هل أنت راضٍ عني؟ فقد سمعتُ حقوق الزوج في درس البارحة)([9]).

 

السبب الخامس: غياب دور الأب والعقل الموجه (الرجل سيد أهله...)([10])، وقلة المصلحين، وكثرة المفسدين.

السبب السادس: الخصومات على القضايا المادية.

السبب السابع: وهو أهم الأسباب وهو غياب التقوى، هذه الكلمة التي أشارَ القرآن الكريم إليها أربعَ مرات في سورة الطلاق: (( ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا ... )) ([11]).

وأخيراً: وغيرُ ذلك كثير مما يأتي من وسائل الإعلام المُفسدة للحياة الزوجية المستقرة فقد فقِدَ مثال الحياة الزوجية للسلف الصالح رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.

 



[1] [الطلاق: ٦].
[2] [1067/ السلسلة الصحيحة].
[3] [ص179/ أحكام النساء/ ابن الجوزي].
[4] [ص11/ من حديث النفس].
[5] [أي: يا لئيم].
[6] [البقرة:232].
[7] [2782/ صحيح الترمذي].
[8] [الطلاق:5].
[9] [106/ جـ3/ أعلام الإصلاح في الجزائر/ محمد علي دبور].
[10] [2041/ السلسلة الصحيحة].
[11] [الطلاق: ٤].