9‏/6‏/2013

العبادة بين صورة الإسلام وحقيقته


العبادة بين صورة الإسلام وحقيقته

 

قال تعالى: (( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ... )) ([1]).

من كلام نبينا e: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من آمنه الناس على دمائهم وأموالهم)([2]).

حكى الدكتور صباح السامرائي قال: (كنت في ردهة الطوارئ وكان الحاجب على الباب فجاء رجل لزيارة أخيه الراقد في المستشفى بسبب كسور إثر حادث مرور، فمنعه البواب واحتدم النقاش فانقض الرجل على البواب وعض أذنه فقطعها ودخل ردهة الطوارئ، ثم دخل عليّ البواب مقطوعَ الأذن، قلت له: أين الجزء المقطوع؟ قال: سقط عند باب المستشفى، وراح يفتش عنه فوجده قد داسته الأقدام، ولا يمكن إرجاعه وخرج الزائر والبواب يسبه ويصفه بالكلب العقور، وبدأ الرجل يعتذر لي لأكون شافعاً ، فقلت له لو كنت استطيع إعادة الإذن المقطوعة، لطلبت منه أن يعفو عنك، أما وقد خسر إحدى أذنيه إلى الأبد، فلا، ولن يصفح عنك، وجاءت الشرطة واقتادوه معهم – وهو يتمتم– ما دامت إصابة أخي ليست خطيرة فكل شيء يهون).

أقول: قال محمد متولي الشعراوي (رحمه الله): (القيم –الأخلاقية– لا يبلغ حظها من السمو إلا إذا طبع السلوك على مقتضى هذه القيم).

وما قيمة الصلاة إذا كان صاحبها لا ينتهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وما قيمة الصيام، إذا لم يورث التقوى وكذا سائر العبادات التي هي وسائل لتحقيق المثل العليا في الإسلام في عالم الأخلاق والمعاملات.

قال الحسن البصري (رحمه الله): (ابن ادم! كيف تكون مسلماً ولا يسلم منك جارك ، وكيف تكون مؤمناً ولا يأمنك الناس)([3])

هذا هو بالضبط ما قال عنه احمد أمين (رحمه الله) إذ سماه ((التدين الصناعي))، أما محمد الغزالي (رحمه الله) فقد قال: (تبين لي بعد أربعين سنة من العمل في الدعوة الإسلامية إن أخطر ما يواجه العمل الإسلامي هو التدين الفاسد).

ليست قيمة الإنسان فيما يعتقده نظرياً فقط بل فيما يلتزمه عملياً في سلوكه العام.

قال صالح بن زائدة    :t  قلت لسعيد بن المسيب  t: (ما رأيت مثل فتيان هذا المسجد، إن احدهم ليخرج بالهجير([4]) فلا يزال قائماً حتى يصلي العصر، قال ابن المسيب: ما كنا نعد هذا عبادة؟ قلنا له : يا أبا محمد فما العبارة ؟ قال: التفكير في أمر الله والورع عما حرم).

إلى هذا المعنى أشار نبينا e بقوله: (كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً لتكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنسك تكن مؤمناً...).

قال عمر t: (لا تنظروا إلى صيام الرجل ولا صلاته ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدث، وأمانته إذا أؤتمن وورعه إذا أشفى )([5])     

قال العلماء: ( إن اكبر مهمة دينية في هذا العصر، وأعظم خدمة دينية واجلها للأمة الإسلامية هي دعوة السواد الأعظم للأمة إلى الانتقال من صورة الإسلام إلى حقيقته).

كيف السبيل إلى ذلك.

 

أولاً: إرادة التغيير: فإذا وجدت الإرادة، وجد المراد بإذن الله.

ثانياً: تجديد الإيمان: قال نبينا e: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسألوا الله أن يجدد إيمانكم)([6])

قال ابن أبي ملكية (رحمه الله): (أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله e قد شهدوا بدراً كلهم يخاف النفاق ([7]) كلهم يرى أنَّ غيره خير منه).

(ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء t، فقال ابن الكندية([8]) إني لغير الدجال أخوف عندي من الدجال، فقال أبو الدرداء t: ما هو؟ قال : قال: أخاف أن استلب إيماني – وأنا لا اشعر – فقال أبو الدرداء t ثكلت أمك يا ابن الكندية ((يتعجب من فقهه)) وهل في الأرض خمسون يتخوفون مما تتخفون؟ ثم قال: وثلاثون، وعشرون، وعشرة وخمسة، ثم قال: وثلاثة! كل ذلك يقول: ثكلتك أمك! والذي نفسي بيده ما الإيمان إلا كالقميص يتقمصه – العبد – مرة ويضعه أخرى)([9])

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون )) ([10]).

 

الخطبة الثانية

ثالثاً:- تحويل القول إلى عمل وسلوك قال عبد الله بن سلام tجلسنا في نفر من أصحاب رسول الله e فقلت: أيكم يأتي رسول الله e فيسأله: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: فهبنا أن يسأله منا احد، قال فأرسل إلينا رسول الله e يفردنا رجلا رجلاً، لم يتخط غيرنا، فلما اجتمعنا عنده، أومأ([11]) بعضنا إلى بعض، لأي شي أرسل إلينا؟ وفزعنا أن يكون فينا([12])، فقرأ علينا رسول الله e: (( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم () يأيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون ))([13]). قال: فقرأها من فاتحتها إلى خاتمتها)([14])

قال أبو الدرداء  :t(إن أخوف ما خاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي – على رؤوس الخلائق – أعلمت أم جهلت؟ فإن قلتُ: علمتُ، لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أتتني بفريضتها الآمرة هل ائتمرتَ والزاجرة، هل ازدَجَرْتَ وإني أعوذ بالله تعالى من علم لا ينفع)([15]).

قال الإمام أحمد :t (ما كتبت حديثاً عن النبي إلا وقد عملت به)([16])

وكان من كلام الإمام البخاري t: (لقد لقيت أكثر من ألف رجل من أهل الحجاز والعراق والشام، ومصر، وخراسان، فما رأيت واحداً منهم يختلف في  [إن الدين قول وعمل])([17]).

رابعاً: صحبة الصالحين والقول الفصل في ذلك قوله e: (لا تصاحب إلا مؤمناً)([18]). إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير...)([19]).



[1] [ الحجرات 14 ].
[2] [6710 2/ صحيح الجامع].
[3] [ 1839/ المجالسة وجواهر العلم لأبي بكر المالكي ]  
[4] [شدة الحر].
[5] [أي: اشرف على الدنيا وأقبلت عليه وأمكن فعل ما لا يحل يتركه خوفاً من الله عز وجل].
[6] [2814 السلسلة الصحيحة].
[7] [يراد به ضعف الإيمان].
[8] [رجل من أصحاب أبي الدرداء (رضي الله عنه)].
[9] [ص254/ ج/2 سير أعلام النبلاء/ عن يزيد بن مزيد].
[10] [الأنفال:2].
[11] [أشار بيده أو حاجبه].
[12] [أي: نزل فينا قران].
[13] [الصف:1_2].
[14] [ 1315/ صحيح ابن حبان].
[15] [ ص478/ ج4/ الجامع لشعب الإيمان].
[16] [ ص206/ صلاح الأمة/ سعد العفاني].
[17] [ 2/127/ طبقات الشافعية الكبرى].
[18] [4834/ أبو داود].
[19] [363/ متفق عليه].

آل بيت النبي. وجوب حبهم وتقدير دورهم


آل بيت النبي e.. وجوبُ حبهم

وتقديرُ دورهم في الحفاظ على وحدة الأمة

 

 

قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( ... إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) ([1]).

قال يزيد بن حيان (رحمه الله): (إنطلقتُ أنا وحصينُ بن سَبْرَة وعمرُ بن أسلم إلى زيد بن أرقم t فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيد خيراً كثيراً، رأيتَ رسول الله e وسمعتَ حديثه، وغزوتَ معه، وصليتَ خلفه، حدِثنَا يا زيد ما سمعت من رسول الله e! قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرتْ سِني، وقدُم عهدي ونسيتُ بعض الذي كنت أعِي من رسول الله، فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله e يوما فيناً خطيباً بماء يدعى خُماً([2]) فحمد الله وأثنى ووعظ وذكَّرَ ثم قال: أما بعد! ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشكٌ أن يأتي رسولُ ربي فأجيبَ، وأنا تارك فيكم ثقلين([3]) أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا كتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورَغّبَ فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً)([4]).

في ذكريات العام الهجري الجديد نقول: حُبُّ آل بيت نبينا فريضة، والتخلق بأخلاقهم فريضة، وقد استلفت نظري من سيرة حياتهم أمران:

أولهما: زهدهم في مراكز الحكم وعالم السياسة.

وثانيهما: حرصُهم الشديد على وحدة الأمة، ما كانوا دعاةَ ضلالة وتفريق، إنما كانوا ضحية حق ما نالوه، وطالبوا أجر من ربهم استبقوه.

جاء في كتاب نهج البلاغة([5]) ما يأتي: (وكتب علي t إلى أهل الأمصار يذكر ما جرى بينه وبين أهل صفين [وكان بدءُ أمرنا أنا ألتقينا والقومُ من أهل الشام والظاهرُ أن ربَّنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة ولا نستزيدُهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله e ولا يستزيدوننا، الأمرُ واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه بَراء] و (... إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوبَ في القول، وأبلغَ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إياهم: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذاتَ بيننِا وبينِهم)([6]). وقد استجاب الله دعوته هذه t في عام الجماعة إذ تنازل الحسن t عن الخِلافة وقام فخطب فقال: الحمد لله الذي هدى بنا أوَّلكم وحقن بنا دماء آخِركم ألا إن أكيَسَ الكيْس التقى، وأعجزَ العجز الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفتُ فيه أنا ومعاوية أما أن يكون كانَ أحقَّ به مني، وإما أن يكون حقي فتركناه لله ولصلاحِ أمة محمد e وحقنِ دمائهم، ثم قرأ: (( وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين )) ([7]).

جاء في كتاب تلخيص الشافي للإمام الطوسي ما يأتي: روى الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (أنَّ رجلاً من قريش جاء إلى الإمام علي t فقال: سمِعتُك تقول في الخطبة آنفاً: اللهم أصلحنا بما أصلحتَ به الخلفاء الراشدين فمن هم؟ فقال: حبيباي وعماك أبو بكر وعمر t إماماً الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش من اقتدى بهما عُصِم، ومن اتبع آثارهما هُديَ الى صراط مستقيم).

 

أوثق العلاقات الأخوية كانت بين الخلفاء الراشدين وبين آل البيت (رضي الله عنهم أجمعين) قال ابن عباس (رضي الله عنهما): (لما وُضِع عمر t على سريره - بعد ما طُعِن – اكتنفه الناس يدعون ويصلون - وأنا فيهم- فلم يَرُعْني إلا رجل قد زحمني وأخذ بَمنْكبي فالتفتُّ فإذا عليُّ بن أبي طالب t فترحَّم على عمر t ثم قال: والله ما خلفتُ أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى اللهَ بمثل عمله منك، وأيمُ اللهِ إن كنتُ لأظنُّ ليجعلنَّك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنتُ كثيراً ما أسمع رسول الله e يقول: ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر، فكنتُ أظنُّ ليجعلنك الله مع صاحِبيك)([8]).

رحم الله شهاب بن خِراش القائل: (أدركتُ مَنْ أدركتُ مِنْ صَدَرَة هذه الأمة – وهم يقولون- أذكروا مجلس أصحاب رسول الله e ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرشوا عليهم ولذلك، لما قال رجلُ لابن عباس (رضي الله عنهما): أنتَ على ملة عليٍّ أم على ملة عثمان؟ قال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان (رضي الله عنهما) أنا على ملة رسول الله e)([9]).

وقد أعجبني جواب أحدِ أهل العلم لما قيل له: قتِل الحسين (عليه السلام) فما زاد على أن قال: (( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون )) ([10]).

هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: قال تعالى: (( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ))([11]).

 

الخطبة الثانية

قال الإمام الشعبي (رحمه الله): (رأى عليُّ t طلحة t في وادٍ ملقى فنزل فمسح التراب عن وجهه وقال: عزيز عليَّ يا أبا مُحمد أن أراك مُجندلاً([12]) في الأودية تحت أديم السماء، إلى الله أشكو عُجرَي وبُجَري([13])...). ولما دخل عِمران بن طلحة t على عليٍّ بعد ما فرغ من معركة الجمل، رحب به وأدناه، وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال فيهم: (( ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ))([14]).

ثم أخذ يسأله عن بيتِ طلحة فرداً فرداً وعن غلمانه، وعن أمهات أولاده، يا ابن أخيّ كيف فلان؟ كيف فلانة؟ ويستغرب رجلان من الذين لم يعرفوا شرفَ الصُحبة، ولم يدركوا ماذا يعني أن يكون الإنسان من أصحاب رسول الله e فقالا: الله أعدل من ذلك، نقتلهم بالأمس وتكونون إخواناً في الجنة!!! فغضب الإمام علي t وقال: قوُمَا أبعدَ أرض الله وأسْحَقها، فمن هو إن لم أكن أنا وطلحة فمن إذن؟؟؟)([15]).

هذه السماحة، وهذا الخلق الرفيع، ولهذا النسب الكريم روى علي t قال: (زارنا رسول الله e فبات عندنا والحسن والحسين (رضي الله عنهما) نائمان، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله e إلى قِربة لنا فجعل يعصرها في القدح ثم يسقيه، فتناوله الحسين (رضي الله عنهما) ليشرب فمنعه وبدأ بالحسن فقالت فاطمة (رضي الله عنها): يا رسول الله! كأنه أحبُّ إليك؟ فقال: لا، ولكنه استسقى أولَ مرة، ثم قال رسول الله([16]) e : إني وإياك وهذين وهذا الراقدُ - يعني علياً- يوم القيامة في مكان واحد)([17]).

اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم في كتابك العزيز : قال تعالى : (( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رءوف رحيم ))([18])

هذا هو الكلام الذي اعتقده واجب أن ألقى به ربي وخلاف هذا الكلام جوابه قال تعالى: (( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ))([19])



[1] [الأحزاب: ٣٣].
[2] [غيضة بين مكة والمدينة فيها غدير على ثلاثة أيام من الجُحفة].
[3] [لعظمهما].
[4] [1657/ صحيح مسلم].
[5] [ص448/ نهج البلاغة].
[6] [ص285/ جـ2/ سير أعلام النبلاء].
[7] [الأنبياء:111].
[8] [81/ صحيح ابن ماجة].
[9] [ص285/ سير أعلام النبلاء/ الذهبي].
[10] [الزمر:46].
[11] [الشورى :23].
[12] [مصروعاً].
[13] [أي سرائري وأحزاني التي تموج في صدري].
[14] [الحجر:47].
[15] [ص224/ طبقات ابن سعد – ص13/ جـ3/ حياة الصحابة].
[16] [يخاطب فاطمة].
[17] [3457/ السلسلة الصحيحة].
[18] [الحشر : 10].
[19] [الزمر : 46].