16‏/6‏/2013

نعمة الأمن


نعمة الأمن



قال تعالى: (( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ))([1]).

من كلام نبينا e : (مَن أصبح منكم آمناً في سِربه، مُعافى في بدنه، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزتْ له الدنيا بحذافيرها)([2]).

أسوأ لِباسين يمكن أن تبتلى بهما أمّة هما لِبَاسَا الجوع والخوف. وفي حِكم الهند! (شرُّ البلاد ما ليس فيه خِصبٌ ولا أمن).

قيل لخُريم المُرّي (ما النعمة؟ قال: الأمن، فأني رأيتُ الخائف لا ينتفع بعيش). قلتُ: صدق فقد قال الأولون: (لا عيش لخائف).

 

دُعي الملك فيصل الأول - ملك المملكة العربية السعودية- إلى مؤتمر عالمي في الولايات المتحدة، فسأله يهودي: سمعنا يا صاحب الجلالة أنكم تعاقبون السارق بقطع يده، والزانيَ بالرجم وتلك عقوباتٌ همجية، فنظر الملك إليه وقال: (إن قسوة تلك العقوبة التي أمر الله بها، هي التي حققت ما نطمح إليه من نشر الأمن، إذ يستطيع أيُّ فردٍ أن ينتقل في بلادنا وهو آمن على نفسه وماله، لقد قرأتُ في صُحِفكم مئات الحوادث التي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، فهل تعتقد صادقاً أن قطع يد شخصين أو ثلاثة ثبتت عليهم جريمة السرقة - بلا مبرر- فسلم المجتمع وتحقق الأمن، هل هذا أفضل أم قانونكم الذي ترتكب في ظِله أبشع الجرائم بدافع السرقة والاغتصاب؟ أما عقوبة الرجم فقد أحاطها الإسلام بالإحترازات التي تجعل إقامة الحد فيها يكادُ يكون مُتعَذِراً بالبينة ولم تطبق العقوبة في حكم الإسلام كله إلا بالاعتراف أفهذا أفضل أم ما في مجتمعكم من مباذل أخلاقية استحي أن أشير إليها؟ فنكس اليهودي رأسه وضجت القاعة بالتصفيق).

في أثناء الحرب العالمية الثانية ضُربَتْ سفينة حربية أمريكية بصاروخ فغاصت في بحر اليابان، وبقي أحد ملاحيها ثلاثة عشر يوماً تحت الماء ومعه ماء وخبز يابس، فلما خرج سالماً بعد إنقاذه سُئل! ما هي أكبر تجربة استفدتها؟

فقال: تعلمتُ في هذه الأيام المُخيفة أن من كان آمناً وعنده خبز وماء فقد حاز ملك الدنيا)([3]). قال أهل الحكمة([4]): (الأمن يجمع الأماني كلها)([5]).

وقد ذكر التاريخ أن كِسرى أنوشروان قال لوزيره: أيُّ الفِراش ألذ؟ قال: الخزُّ([6]) المحشو بالريش، وكان بين يديه غلام من الحُجّاب، فقال: أيها الملك! أتأذن لي في الكلام؟ قال: نعم، قال: ألذُّ الفِراش الأمن، قال: صدقتَ).

كثيراً ما كنت أسمع -أيام كان عمري ثلاثة عشر عاماً- الشيخَ بشير الصقال (رحمه الله رحمة واسعة) أسمعه يقول في دعائه في آخر الخطبة: إلهنا! كم من نعمة أنعمت بها علينا قلَّ لكَ عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قلَّ لكَ عندها صَبرُنا، فيا ذا المعروف الذي لا ينقص أبداً، ويا ذا النعماء التي لا تحصى عدداً ارحم ضعفنا واجمع شملنا يا أرحم الراحمين). هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( فليعبدوا رب هذا البيت () الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ))([7]).

 

الخطبة الثانية

حكى رجل قال: (كنتُ بناحية([8]) من نواحي الهند فانتهيتُ إلى قريةٍ فرأيتُ شيخاً في مسجد فسلمتُ إليه رزمة ثيابي وقلتُ: تحفظها لي، فقال: دعها في المِحْرَاب، فتركتها ومضيتُ، وعدتُ من الغدِ إلى المسجد فوجدته مفتوحاً ولم أرَ الشيخ ووجدتُ الرزمة في المِحْرَاب فإذا بالشيخ قد رجع، فقلتُ: كيف خليتَ ثيابي؟ فقال: ما سؤالك؟ قلتُ: أحببتُ أن أعلمَ، وأقبلتُ أخاصمه - وهو يضحك- قال: أنتم تعودتم أخلاق الأراذل، ونشأتم في بلاد الكفر التي فيها السرقة والخيانة وهذا لا نعرفه ههنا، ولو بقيتْ ثيابك مكانها إلى أن تبلى ما أخذها أحد غيرُك ولو مضيتِ إلى المشرق والمغرب ثم عُدتَ لوجدتها مكانها، فنحن لا نعرف لِصاً ولا فساداً، قال: وسألتُ بعد ذلك عن سيرة أهل البلد فإذا هم لا يغلقون أبوابَهم في الليل وليس لأكثرهم أبوابا إنما هي شرائح ترُدَّ الكلاب والوحوش)([9]).

عن النعمان بن بشير t قال: ( كنا مع رسول الله e في سفر فخفق رجل على راحلته فأخذ رجل سهماً من كنانته فانتبه ففزع فقال رسول الله e: لا يحل لرجل أن يروع مسلماً)([10]).



[1] [النحل:112].
[2] [833/ صحيح الترغيب والترهيب].
[3] [ص477/ لا تحزن/ عائض القرني].
[4] [من كلام بلاش بن فيروز (الملك الثاني عشر من ملوك الساسانية)].
[5] [ص618/ جـ2/ بيع الأبرار].
[6] [الحرير].
[7] [قريش:3_4].
[8] [قزدار].
[9] [ص89/ نِشوار المحاضرة/ التنوخي].
[10] [2699/ تهذيب الترغيب].

15‏/6‏/2013

الجرأة على الفواحش وإشاعتها والمجاهرة بها


الجرأة على الفواحش وإشاعتها والمجاهرة بها

 

قال تعالى: (( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون ))([1]).

من كلام نبينا e: (كل أمتي مُعافىً إلا المجاهرين، وأن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يُصبحُ وقد ستره الله عليه فيقولُ: يا فلان! عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد باتَ يستره ربُّه ويُصبحُ يَكشِفُ سِترَ الله عنه)([2]).

حكى لي أحد الأخوة قال: (في زمن جاهليتي كان لي صديق له علاقات كثيرة مع النساء، ثم تاب وفي يوم من الأيام حاولتُ جاهداً أن أعرفَ اسمَ إحداهن، فلم استطع، فلما أكثرتُ عليه قال لي: أما كفاني ما فعلتُ وقد ستر الله عليَّ حتى
أقومَ بكشفِ أستار الناس؟؟؟).


قال ابن بطال (رحمه الله): (في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضربٌ من العناد لهم، وفي التستر بها السلامة من الاستخفاف، وإذا تمحّضَ([3]) حق الله فهو أكرم الأكرمين، ورحمتهُ سَبَقتْ غضبَهُ، فإذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهرُ يفوتهُ جميعُ ذلك)([4]).

قلتُ: في هذا المعنى قال نبينا e : (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله (عز وجل) عنها فمن ألمَّ فليستتر بستر الله (عز وجل) فإنه مَنْ يُبدِ لنا صفحته على نقِمْ عليه كتاب الله)([5]).

إن الجرأة على المعاصي والمجاهرة بها دَلالة على انكسار حاجز الحياء وعلى الاستعداد التام لكل رذيلة أخلاقية.

قال نبينا e: (إنما أخشى عليكم شهواتِ الغيِّ في بطونكم وفروجكم، ومَضلات([6]) الهوى)([7]).


من كلام الإمام الشعبي (رحمه الله): (تعايش الناس بالدين زمناً طويلاً حتى ذهب الدين من نفوسهم، ثم تعايشوا بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعايشوا بالحياء حتى ذهب الحياء، وهم الآن يتعايشون بالرغبة والرهبة وسيأتي بعد ذلك ما هو شرٌّ من ذلك)([8]).

قال المفكر الفرنسي غوستاف لوبون: (تخرج الأمم من الهَمَجيّة بما تضع لشهواتها من قيود، فإذا كسرتها عادت إلى همجيتها) و (إذا أمعنا النظر في أسباب سقوط جميع الأمم التي يذكرها التاريخ - بلا استثناء- وجدنا أن العامل القوي في انحلالها يرجع إلى علة انحطاط الأخلاق).

قال أبو اليُسر t: (أتتني امرأة تبتاع تمراً فقلتُ: إن في البيت تمراً أطيبَ منه، فدخلتْ معي في البيت فاهويتُ إليها فقبَّلتها، فأتيتُ أبا بكر t فذكرتُ ذلك له، قال: استر على نفسك وتبْ ولا تخبر أحداً، فلم أصبر فأتيتُ عمر t فذكرتُ ذلك له فقال: لقد ستركَ الله لو سترتَ على نفسك([9])) وفي رواية: استر على نفسك ولا تخبر أحداً فلم أصبر فأتيت رسول الله e فذكرتُ ذلك له فقال: (أخلفتَ غازياً في سبيل في أهله بمثل هذا) قال الراوي: حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة،

حتى ظن أنه من أهل النار، قال: وأطرق رسول الله e طويلاً حتى أوحى الله إليه: (( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ))([10]). قال أبو اليُسْر: فأتيته فقرأها عليَّ رسول الله e فقال أصحابه: يا رسول الله! ألهذا خاصة؟ أم للناس عامة؟ قال: بل للناس عامة)([11]).

هذا وأن خير الكلام كلام رب العالمين: (( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ))([12]).

 

الخطبة الثانية

هاجمت عِصابة منزل الصحافي البريطاني (الكسي ماكاي) رئيس تحرير صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد) وسَرَقتْ زوجته من منزلها مع مجوهراتٍ وأموالٍ، وتلقى الزوجُ مكالمة تلفونية من أحد أفراد العِصابة يطلب منه مليون جنيه، وأرسل مجهول خطاباً إلى صحيفة هورس ذكر فيه: (أن زوجة مدير صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد)

ستضل رهينة لديه حتى تكفَّ الصحيفة عن نشر قصصِ العاهرات التي سببت فسادَ ابنتها البالغة من العمر 12 اثنتي عشرة سنة وأن فدية مليون جنيه لن تعوّض ضياع ابنته الصغيرة الحبيبة)([13]).

رفع فرنسي قضية على شركة للطيران لأنها عرضت في طائرة لها – وهي في الجو- شريطاً مخلاً بالآداب شاهده مكرهاً وبجنبه بنته الصغيرة)([14]).

لقد ظلتْ قرية آوثر ريفرز البريطانية تعيش في سلام إلى أنْ عرض فيلم سينمائي عن الحياة الجنسية، فلم يكد يعرض هذا الفلم على فتيات وفتيان القرية حتى بدتْ الدعائم التي شيِّد عليه مجتمع القرية تهتزُّ وحدَثتْ أعمال خارجة عن الأدب والعرف العام) وما نراه نحن عندنا ليس ببعيد.

قال أحد الدعاة([15]): (ما رأيتُ تاريخاً صنعته الشهواتُ والملذاتُ، ولكن دعاة الشهواتِ والملذات عندنا يزعمون أنهم يصنعون تاريخنا الحديث، فهل هم جاهلون؟ أم متآمرون؟ أم جمعوا بين الجهل والتآمر؟). هدى الله الجميع لما يحبه ويرضاه.



[1] [النور:19].
[2] [متفق عليه – 241/ رياض الصالحين].
[3] [المحض الخالص الصريح].
[4] [10/406/ فتح الباري].
[5] [1582/ السلسلة الصحيحة].
[6] [المضلة: ضد الهدى، يضِل الإنسان فيها طريق الحق].
[7] [52/ صحيح الترغيب والترهيب].
[8] [ص112/ /خالد محمد خالد].
[9] [3112/ صحيح الترمذي].
[10] [هود:114].
[11] [3115/ الترمذي].
[12] [النساء:27].
[13] [مجلة حضارة الإسلام/ ص100/  عدد 8/ كانون الأول/ 1970].
[14] [إنيّة وأصالة/ مولود قاسم].
[15] [د. مصطفى السباعي].