في تقرير مصائر الأفراد والأمم والشعوب
قال عز وجل: (( قل لا املك لنفسي ضرا ولا
نفعا إلا ما شاء الله لكل امة اجل إذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )) ([2]).
في مصائر الأفراد والأمم والشعوب مُغيبات لا تحكمها قواعدُ البشر، لا
تقدِّمُها قوة ولا يؤخرُها ضعفْ، عَبَّر عنها الدكتور عماد الدين خليل (حفظه الله) – استاذ
التاريخ- بـ [البعد الغيبي في مصائر الأمم وحركة التاريخ].
وقد أشار إلى هذا المعنى الدقيق هتلر في كتابه كفاحي، جاء فيه: (هناك
لحَظات في تاريخ الأمم والأفراد، قد تهوي بفرد أو أمةٍ من القِمة إلى الحضيض، وقد
ترقى بفرد أو أمةٍ من الحضيض إلى القمة، ولا يعرف أحدٌ من يؤقِتها إلا أنه يبدو
[أن الحكمة الالهية تتجلى في عملية الغربَلة]([4]).
قلتُ: صدق، هذا الكلام قاله بعد علم وتجربة وذلك أن ((غورنغ)) –
مارشال الرايخ عام 1939م- وفي بداية الحرب الكونية الثانية قال: (إن الذي يملك 20
ألف طائرة هو سيد العالم) ولا يعرف هذا المتكبر معنى قوله تعالى: (( ... والله
غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون ))([5]).
شاعر فرنسا [هوجو]([8]) قال لنابليون: أيها الملك! إنك تستطيع أن تملِكَ العالم ولكنك لا
تستطيعُ أن تقول ((المستقبلُ لي)) – وقد قال ذلك- لأن المستقبل أيها الملك بيدِ
الله وحده).
قال رجل لرستم قبل وقعة القادسية: (لا يَغرّنك ما ترى حولك، فإنك لستَ
تجادل الأنسَ، إنما تجادلُ القدرَ)([9]).
حكيم فارس بُزرُ جمَهّر قال: (كلُّ عزيز دخل تحت القدرةِ الآلهية فهو
ذليل).
ذكر تاريخ السيرة النبوية: (أن رسول َ الله e بعث عبدَ الله بن حذافة السهمي – وهو أحد الستة([10])- يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتاباً، قال عبدالله: فدفعتُ إليه كتاب
رسول الله e
فقرئ عليه، ثم أخذه فمزَّقه فلما بلغ ذلك رسول الله e قال: اللهم مزِّق مُلكه، وكتب كسرى إلى باذان
عامِله على اليمن [أن أبعثْ من عندك رجُلين جَلدَيْن([11]) إلى هذا الذي بالحجاز فليأتياني بخبره – وفي رواية البيهقي زيادة
صحيحة- ألا تكفيني أمر رجل قد ظهر بأرضك يدعوني إلى دينه، لتكفِينَّه أو لأفعلنَّ
بك، فبعث باذان قهرمان ورجلاً وكتب معهما كتاباً فقدِمَا المدينة، فدفعا كتاب
باذان إلى النبي e
فتبسَّم رسول الله e
ودعاهما إلى الإسلام وفرائصُهما([12]) ترْعد وقال: ارجعا عني يومَكما هذا حتى تأتياني من الغد
فأخبركما بما أريد فجاءاه من الغد فقال لهما: أبلغا صاحبكما أنَّ ربي
قد قتل ربّه كِسرى في هذه الليلة)([13]).
قلتُ: ذكر التاريخ: (أن مروان الثاني عَرَض العسكر ثلاثمائة ألفِ رجل
بالعُدَد الكاملة، فقال وزيره: إن هذا لمن أعظم الجيوش، فقال مروان: أسْكتْ فإنه
أذا انقضت المدة لم تنفع العِدّة)([14]).
وهذا الحُكم يسري على مستوى الأفراد كما يسري على مستوى الجماعات
والأمم.
عُرضَ غلامٌ للبيع على نظام الملك الوزير([15]) فرَدَّه استحقاراً، فأثنى عليه سيده، فقال نظام الملك (رحمه الله): عسى أن
يأتينا بملك الروم أسيراً.
وشاء الله في واقعة خلاط أن يقع الملك بيد هذا الغلام أسيراً فأرادَ
قتله، فقال له خادم مع ملك الروم: لا تقتله فإنه الملك، فأحضره إلى السلطان ألب
أرسلان بعد أن قتِل من الروم ما لا يحصى)([16]).
هذا وان خير الكلام كلام رب العالمين: (( قل اللهم مالك الملك تؤتي
الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على
كل شيء قدير ))([17]).
الخطبة الثانية
ذكر التاريخ: (أن
الاسكندر ذا القرنين كان في بعض الليالي مختلياً بنفسه، فدخل عليه حاجبه وقال له:
رسول ملك الصين بالباب – وكان الاسكندر محاصراً للبلد- قال: أدْخله، فدخل فسلم
وقال: أنْ رأى الملك أن يستخليني فليفعل فأمر الاسكندر مَنْ حوله فانصرفوا، فقال:
أنا ملك الصين لا رسولهُ، جئت أسألك عما تريده فإن كان يمكن عمله عملته وأعفيتك من
الحرب، قالَ الاسكندر: ما الذي أمّنك مني؟ قال: علمي بأنك عاقل، فاتفق معه على شيء
يسير من الجزية فلما طلعتْ الشمس أقبل جيش الصين حتى طبَّق([18]) الأرضَ وأحاط
بالاسكندر، وطلع ملك الصين وعليه التاج، فلما رآه الاسكندر قال له: غدَرْتَ
فترجَّل وقال: لاوالله، لكني أردتُ أن أريَك أنني لم أطِعْكَ عن قلة وَضعْف ولكنْ
لمّا رأيتُ العالمَ العِلويَّ مقبلاً عليك ممكناً لك من هو أقوى منك أردتُ طاعته
وطاعتك، فقال الاسكندر ذو القرنين: ليسَ مثلك من يؤدي الجزية وودعه وانصرف)([19]).